الأخ روفينو(استقبال)

الفصل السادس: العذراء مريم، خادمة الله المتواضعة

تسجيل الفصل على شكل21x29,7 cm

Vierge Marieليس من الصّدفة إضافة عنوان لهذا الفصل المخصّص للعذراء مريم إسم يسوع. بالفعل، سنرى أنّ العذراء مريم هي ملازمة لإبنها الإلهي. على ممرّ الأسطر، سنكتشف المكوّنات المريميّة الثّلاث الأساسيّة : مهمّة مريم الوحيدة، أيّ كونها أمّ الكلمة(تجسّد الكلمة)، من الخبز الحيّ الآتي من السّماء لخلاص البشر ؛ إمتيازات مريم الفريدة، العقد البتولي الأعلى من الّذي يحتوي المنّ والوصايا العشر ؛ أخيراً، العبارة أو التّضرّع الفريد المستحق لهذا العقد.

  • 0

المرأة المكلّلة بالنّجوم

تتلألئين بسنى بهيج وجميع شعوب الأرض لكِ يسجدون ؛
يزوركِ الأمم من الأقاصي بقرابينهم ويسجدون فيكِ للرّبّ ويعتدّون أرضكِ أرضاً مقدّسة، لأنّهم فيكِ يدعون الإسم العظيم .
ملعونين يكونون الّذين استهانوا بكِ
والّذين جدّفوا عليكِ يدانون
ويبارك الّذين يبنونكِ.
أمّا أنتِ فتفرحين ببنيكِ لأنّهم يباركون كافّةً وإلى الرّبّ يحتشدون.
طوبى للّذين يحبّونكِ ويفرحون لكِ بالسّلام!
طو١٣ ١١-١٤

Vierge Marie Apocalypse يظهر" نشيد "طوبيا كرسالة موجّهة لمدينة أورشليم. في الحقيقة، هو يتوجّه لأورشليم الإلهيّة الجديدة الّتي تبدأ من مريم، أمّ يسوع. مريم، البيت الجديدن قدّيسة القدّيسين، النّجمة الّتي تقود التّائهين من جديد للعالي، المساعدة المخلّصة الّتي، على ممرّ العصور، تفرح لكونها أمّ الخطأة. إنّه النّشيد الحقيقيّ للمساعدة المخلّصة.

على الّذي يريد سماع واتّباع الإنجيل الإهتمام، كما مثل الباقي، بالمشاهد العديدة حيث تظهر مريم. وعليه إرادة جمع كلّ الأجحار المبعثرة من الفسيفساء، لرؤية تألّق صورة مريم الكاملة، شخصيّتها ومهمّتها.

لكنّ الصّورة اّتي تظهر في هطذا رؤيا جماعيّة ليست معزولة لنفسها، هي ترسل بشكل دائم في جميع أجزائها وعلى جميع وجهات نظر للمسيح كما للكنيسة. فيبرز إذاً، أنّ كلّ تديّن مريمي إذا كان كاثوليكيّاً، لا يُفترض به الإنعزال، لكن عليه دائماً أن يكون مندمجاً وموجهاً في دراسة مسيحيّة( ومن هنا ثالوثيّا(ً كما كنائسيّاً. لقد أشار القدّيس يوحنا بشكل رائع إلى هذا السّياق، عندما لا يذكر أبدأً مريم باسمها في إنجيله. هي مسمّاة "أمّ يسوع". لقد تخلّت،تقريباً، على كلّ ما هو شخصيّ، لتكون تحت تصرّف يسوع. * Cardinal Joseph Ratzinger, Hans Von Balthasar( pour ce§ ainsi que pour le dernier paragraphe de ce chapitre intitulé« Témoignages à la Vierge

سنجمع إذاً جحارة الفسيفساء المبعثرة، مبتدئين ببعض المقاطع من العهد القديم وخاتمين بصعود العذراء.

مرأة البشارة السّابقة

أُعلِنَت مريم من قبل الله، في ما نسمّيه بالبشارة السّابقة. جاء هذا الإعلان مباشرة بعد سقوط أهلنا الأول. وجّه الخالق هذه العبارات للحيّة الشّيطانيّة :"... وأجعل عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلكِ ونسلها فهو يسحق رأسكِ وأنتِ ترصدين عقبه"(تك٣ ١٥). نستطيع الإعتبار أنّ موضوع العداوة موجود بين الحيّة والجنس الأنتويّ بكامله. لكنّ هذا الإحتمال بعيد بسبب النّص التّالي حيث يتغيّر المعنى نفسه : " هو يسحق رأسكِ" وليس" ستسحق رأسكِ". يُعلن النّص قبلاً المخلّص الآتي، يسوع. بسبب ولادة هذا المخلّص الّذي سيأتي" من" إمرأة، ستكون هناك عداوة بين الحيّة و"هذه" المرأة. والمرأة المتحدّث عنها هي مريم أمّ المخلّص. وهكذا إذاً، فإنّ أمّه، مع المسيح، متطوّرة. نقرأ في رسالة القدّيس بولس إلى روميّة :" لأنّه كما أنّه بمعصية إنسان واحد(آدم) جُعل الكثيرون خطأة كذلك بطاعة واحدة(يسوع) يُجعل الكثيرون أبراراً "(روم٥ ١٩). ليس من الجرأة زيادة على هذا النّص : بما أنّ الشّرّ جاء إلى هذا العالم من خلال إمرأة (حواء)، من العدل أن يأتي الخير من جديد من خلال المرأة (مريم). ونعلم الآن كيف ستفعله : بواسطة الطّاعة الكاملة. الطّهارة الكاملة. التّواضع الكامل. إذ إنّها عظيمة من عملت بمشيئة الله. ولهذا عظيمة هي مريم.

نبوءة إشعيا حول مريم أمّ عمانوئيل

Vierge Marie Isaïe

فلذلك يؤتيكم السّيد نفسه آية.

ها إنّ تحبل وتلد إبناً وتدعو اسمه عمانوئيل.(اش٧ ١٤).

بدل" الفتاة"، تكتب التّرجمة الإغريقيّة :" العذراء"، محدّدة بذلك العبارة العبريّة (ألماه) التّي تشير إلى فتاة أو إلى إمراة متزوّجة حديثاً، دون شرح إضافيّ. لكنّ ترجمة السّبعون الإغريقيّة هي شاهد بارز للشّرح اليهودي القديم، الّذي سيُخصّص من قبل إنجيل متى : "ها إنّ العذراء تحبل وتلد إبناً ويدعى عمانوئيل الّذي تفسيره الله معنا"(متى١ ٢٣).

نبوءة اشعيا حول" أُصل يسّى"

ويخرج قضيب من جذر يسّى وينمي فرع من أصوله(اش١١ ١)

يحدّد هذا الشّعر المسيحيّ بعض نقاط المسيح القادم المهمّة، خصوصاً أنّه من ذريّة داوديّة (كان داود إبن يسّى). هذا الأصل الّذي يخرج من ذريّة يسّى ليس إلاّ مريم. لنستفيد من هذا المقطع للتّوقف بضع لحظات على سلالتي المسيح الّتي نجدها في الأناجيل، الأولى مقتبسة من إنجيل متى * ب متى١ ١-١٧ ولو٣ ٢٣-٣٨. لندوّن أنّ متى يصرّ على عدد الأربعة عشرة جيلاً الّذين يؤلّفون كلّ فريق :" فمجموع الأجيال إذاً هو : من إبراهيم إلى داود، أربعة عشر جيلاً ؛ من داود إلى نفي بابل، أربعة عشر جيلا ًومن جلاء بابل إلى المسيح، أربعة عشر جيلاً. " الشّخصيّات الأقلّ أهميّة تاريخيّاً من الّذين تُرِكوا في السّلالة. لنأخذ مثلاً : إذا بطرس وَلَدَ ريمي، الّذي وَلَدَ ميشال الّذي وَلَدَ هو بنفسه يوسف، من المحتمل على الأخير في الّلائحة تمثيل سلالته على الشّكل التّالي : بطرس وَلَدَ يوسف، متجاوزين بذلك جيلين إثنين. في الّسلالة الّلوقانيّة، كلّ فريق من الأسماء هو أيضاً مضاعف بسبعة : ٢١ إسماً في الأوّل، الثّاني والفريق الرّابع ؛ ١٤ إسماً في الفريق الثّالث. لنفس السّبب" التّنسيق العددي"، لا نجد يواكيم، أب العذراء مريم، في أوّل فريق من ٢١. ، والثّانية من لوقا(إليكَ أنتَ الّذي يقرأ هذه الأسطر، ندعوك منذ الآن الإستناد إلى المراجع لتستطيع تقدير التّعليق التّالي).

كما نستطيع الملاحظة، تقدّم السّلالتان الإثنتان بعض الفوارق.

يبرز عاملان أساسيان في نصّ متى : أوّلاً، تقوم السّلالة من الجانب الذّكري ؛ من الواضح أنّ هذه السّلالة هي سلالة يوسف وليس مريم( يعقوب وَلَدَ يوسف). يحرص النّص على إخبارنا أنّ يوسف، من سلالة داود، هو أب يسوع الشّرعيّ وأنّ هذه الأبوّة الشّرعيّة تمنح الحقوق الوراثيّة، أيّ السّلالة الدّاوديّة والمسيحيّة ؛ ثمّ إنّ يوسف، أب يسوع الشّرعيّ، ليس فعلاً مكوّنه لأنّه، إذا كان العكس، لختم متى "بيوسف وَلَدَ يسوع، من إمرأته مريم" كما مثل استشهادات النّساء الأربع السّابقات. في الحالة هذه هذا خطأ. على العكس، يحدّد متى :" يعقوب وَلَدَ يوسف، رجل مريم، المولود منها يسوع ". مريم هي حقّاً أمّ يسوع لكنّ يوسف ليس إلاّ أب يسوع البتولي. لم يتدخّل إذاً في حبله كما تحدّد تتمّة سيرة متى.

تلاقي مقارنة سلالة متى بسلالة لوقا بعض الصّعوبات * ت إنّ ردّة فعل القدّيس أغسطين المتواضعة، االّتي بقيت الإختلافات بين السّلالتين سرّاً، هي للذّكر : "لا أفهم!" لقال . نستطيع فعل ردّتنا الخاصّة لأحد آباء الكنيسة عندما نلاقي صعوبات لفهم بعض نصوص الإنجيل. لكي لا نبحث أبداً عن إستنتاجات تشهد عزّة نفس سمجة، مثل :" لقد كتب القدّيس لوقا حشواً بخصوص سير طفولة المسيح..." لكن لنطلب من الله بأن يساعدنا لينيرنا بكلمته لكي نعيشها بشكل أفضل. . فالأولى خلفية بينما الثّانية سلفية. بالإضافة إلى ذلك، تعود السّلالة الّلوقانيّة إلى آدم وحتّى إلى الله وهي طويلة بالنّسبة إلى السّابقة : ٧٧ إسماً حسب التّخمين الأكثر سارياً. لكنّ الصّعوبة الأولى هي أنّ الأسماء تختلف تقريباً من الجهتين، من داود إلى يوسف ! فيما يضمّ متى يسوع إلى يوسف، أب يسوع الشّرعي، ويظهر بهذه الطّريقة أنّ يسوع ينتمي إلى الأسرة الدّاوديّة، يصل لوقا إلى نفس النّتيجة بردّ شجرة مريم... النّسَبيّة. فإذاً، بما أنّ ليس له والداً بشريّاً، أليس من مريم فقط يسوع هو "من أصلٍ داودي" تماماً كما تحدّد نبوة أشعيا الكبيرة في الفصل السّابع، فقط من أمّه إنّ عمانوئيل هو داود المسيحي المنتظر ؟ في هذه الأحوال، من الطّبيعي أن تختلف لائحتي متى ولوقا النّسبيتين حين نبدأ من داود إلى يسوع. لا نستطيع الإكتفاء بضمّ يسوع إلى سلالة داود من خلال توحيد شرعيّ (من يوسف) * Extraits de P. André Feuillet, P.S. Sulp., Le Sauveur Messianique Et Sa Mère Dans Les Récits De L’Enfance De Saint Matthieu Et De Saint ث Luc, Divinitas de Janvier 1990, p. 25 ets. Le Père Feuillet précise à la page 27: « De solides arguments plaident de cette manière de voir. D’abord, il ya tout lieu de tenir une parenthèse « Jésus étant fils, comme on le pensait, de Joseph» au verset 23. Si en grec, le mot «Joseph est içi privé de l’article(tou), c’est pour marquer qu’il ne fait partie de la liste généalogique. Par contre celle-ci comprend tous les noms qui suivent; coordonnés les uns aux autres, ils dépendent tous du mot «fils»(huios) duv.23 et sont précédés de l’article(tou), le premier de ces noms est Héli(tou Heli). Il faut comprendre: «Jésus étant fils, comme on le pensait, de Joseph, mais étant en réalité fils de Matthat»etc.ndlr: si l’on retenait Joseph dans le premier groupe de noms, nous obtiendrons 22 noms dans la généalogie et non plus 21, multiple de 7(voir note ci-dessus).، حتّى ولوكان يوسف أيضاً من ذريّة داود. Généalogie Jésus-Christ

يؤكّد برهان آخر، مستمّد من الّليترجيّا * (قانون الصّلاة وقانون الإيمان. Lex orandi, lex credendi ج إذ إنّ هذا التّأكيد لحقيقيّ: ، عن أصل مريم الدّاودي . وهكذا نرتل أوّل مقطع من ثاني صلاة السّتار في ٨ من أيلول : «Nativitas gloriosae, Virginis Mariae, ex semine Abrahae, ortae de tribu Juda, clara ex stirpe David» (إنّه ميلاد مريم العذراء المجيدة، من سلالة إبراهيم، متحدّرة من قبيلة يهوذا ومن عائلة داود الشّهيرة). إذاً، مريم هي من سلالة داود، كما تنبّأه أشعيا ٧٠٠ سنة قبل يسوع المسيح.

نبوة أرميا حول المرأة الّتي تحيط بالرّجل

إرجعي يا عذراء إسرائيل

إرجعي إلى مدنكِ هذه .

إلى متى أنتِ زائغة

أيّتها البنت المرتدّة ؟

فإنّ الرّبّ قد خلق شيئاً جديداً في الأرض :

أنثى تحيط برجل(ار٣١ ٢١-٢٢).

في جنّة عدن، إنحرفت البشريّة عن خالقها. يعبّر نصّ نبوة أرميا، حيث يعني الفعل العبري" أحاط"،" لفّ حول"،" يبحث"، عن إعادة علاقات المحبّة بين إسرائيل وزوجه يهوه. تشدّد التّرجمة اللاتينيّة للكتاب المقدّس حول الحمل المسيحي بالتّرجمة : ستيحط المرأة بالرّجل الّتي تذكر حمل يسوع البتولي * saint Jérome, saint Bernard, Saint Thomas,saint إقتُرِحَ هذا التّعريف المريمي من نبوة إرميا من قبل .

زوجة نشيد الأناشيد

نشيد الأناشيد، أيّ النّشيد في غاية الجودة، يُغنّي في تتابع أشعار الحبّ المتبادل بين حبيب وحبيبة، الّلذان يلتقان ثمّ يفترقان، يبحثان عن بعضهما ثمّ يتواجدان. يدعى الحبيب ملك وسلمون ؛ تدعى الحبيبة سولاميت. يعرّف التّفسير التّقليدي هذا النّشيد مثل حبّ الله لإسرائيل وحبّ شعبه لإله. فينجم أنّ من هذه العلاقة الأولى بالنّعم والمحبّة تتطوّر بين المسيح وكنيسته الكنيسة، زوجة المسيح وبين المسيح وكلّ من الأرواح. هذه العلاقة معبّرة مثاليّاً ومؤدّاة كاملة من مريم مع المسيح، ومن مريم إلى الله. لن ننقل هنا إلاّ بعض المقاطع الّتي تنطبق مع العذراء * André Feuillet, Comment lire le Cantique des Cantiques, Etude de خ لكن نعيد القارئ الرّاغب بالتّعمّق في نشيد الأناشيد نحو العمل التّالي : théologie biblique et réflexions sur une méthode d’exégèse, Editions Téqui 1999. حيث نكتشف هذه العلاقة الغراميّة الّتي نحن جميعاً مدعوّين إليها : Vigne

فإنّ الشّتاء قد مضى * د يمهّد وصف الرّبيع، رمز الخلاص، لنداء الرّجوع. ،

والمطر فات وزال قد ظهرت الزّهور في الأرض.

ووافى أوان القضب،

وسُمِعَ صوت اليمامة في أرضنا * ز للتّقارب من تك ٨ ٨ وتابع : ثمّ أطلق الحمامة من عنده ليمظر هل غاضت المياه عن وجه الأرض. فلم تجد الحمامة مستقرّاً لرجليها فرجعت إليه إلى التّابوت... فمدّ يده فأخذها وأدخلها إليه في التّابوت.ولبث أيضاً سبعة أيّم أخر وعاد فأطلق الحمامة من التّابوت. فعادت إليه الحمامة وقت العشاء وفي فيها ورقة زيتون خضراء. .

التّينةأخرجت تينها والكروم أزهرت وأفاحت عرفها.

فقومي يا خليلتي يا جميلتي

وهلمّي ! (نش ٢ ١١-١٣) أختي العروس جنّة مقفلة

ينبوع مقفل

عين مختومة * ر ن م٤ ١٢. جنّة مقفلة، بتولة كاملة وأبديّة، لأنّ العروس بقيت عذراء. ألم توصف "بأختي عروسي". .

عين جنّات

وبئر مياه حيّة وأنهار من لبنان ! (نش ٤ ١٥)

... ليأتِ حبيبي إلى جنّته

وليأكل ثمرة النّفيس! * ز ن م ٤ ١٦. هذه الجنّة المقفلة، تدعو العروس خالقها لتذوّق فاكهته إذ هي له :" ليأتي حبيبي إلى جنّته."

قد أتيتُ إلى جنّتي

يا أختي العروس وحصدتُ مُرّي مع أطيابي

وأكلتُ شهدي مع عسلي وشربتُ خمري مع لبني.

كلوا أيّها الأخلاّء واسكروا أيّها الأحبّاء ! * س ن م ٥ ١. يُسرّ الله في خليقته العذراء، أمّ يسوع. يحصد الثّمر، تقدمة يسوع على الصّليب وفي الإفخارستيّا. وأخيراً، يدعو شعبه للتّناول من أجل الخلاص : " خذوا كلوا’ هذا هو جسدي...خذوا واشربوا، هذا هو دمي..."

حنّه ويواكيم، والدا العذراء مريم

لا تعرض الأناجيل الأربع الكنائسيّة شيئاً حول هذين القدّيسين القديرين أكانت القدّيسة حنّه أو القدّيس يواكيم. نعلم بوجودهما في ثلاث أناجيل مختلفة * ش تتضمّن الأناجيل المختلفة بعضاً من المقاطع الّتي يمكن تزويدها من خلال التّقليد البدائي وهي تُكمل معطيات الإنجيل. . العروضات الفنيّة الّتي نجدها في الكنائس، رسومات أو منحوتات لكي لا نذكر إلاّ هذه، تمثّل أحياناً القدّيسة حنّه أو القدّيس يواكيم كشخصين عجوزين. إذاً لقد فرحا بحمل مريم في سنّ متقدّم كما وُلِدَ إسحاق من إبراهيم وسارة في سنّ متأخر أو مثل القدّيسة إليصابات، لاحقاً، الّتي ستحبل بالمعمّد فيما كانت في مرحلة الشّيخوخة. تزوّج يواكيم، جدّ يسوع، حكمة الله الموجودة في قلب المرأة الصّالحة. إنتظرا وتأمّلا كلّ حياتهما بولادة طفل، وها هما في شيخوختهما حصلا من الله على فتاة صغيرة : مريم. Anne et Joachim

تكرّم الكنيسة حنّه ويواكيم لتذكيرنا بهذا التّرص العجيب لله على البشريّة. أرد خلاص البشر بكونه واحداً منّا، بأخذه وضعنا البشري، بدخوله في الزّمان والمكان. هذه هي الطّريقة المفضّلة الّتي اختارها بين الجميع لجعلنا نفهم بشكل أفضل الصّداقة الحميمة الّتي يرغب الحصول عليها معنا والّتي نحن مدعوين إليها. القدّيسو حنّه والقدّيس يواكيم هما المثالين لهذين الزّوجين الوفيّين الّلذان حيّين مثل الصّالحين أمام الله، هما حريصين لإتمام على أفضل وجه رغبته، وينتظران يإيمان وصبر تجلّي الرّبّ الكامل . سيساهمان بهذا على شكر الله في قلب أولادهما، بتعليمهم على الإيمان، الإحترام والمحبّة * Missel EPHATA, librairie Arthème ص Fayard, 1988, t. 3, p.1696..

الحبل بلا دنس

تنعم فتاة حنّه ويواكيم، الّلذان ولداها إلى هذا العالم، بنعمة مميّزة، بنعمة وحيدة بعد غلطة آبائنا الأول : نعمة الحبل بلا دنس. سأل كاهن لورد، برناديت سوبيرو بعد إحدى الظّهورات الّتي رأتها : "هل تعلمين ما معنى الحبل بلا دنس ؟" أجابت الفتاة المسكينة :" لا !". إذاً لنذهب البحث عن الإجابة لسؤال كاهن لورد. حصل آدم وحواء على القداسة والبرارة الأصليتين، ليس لأجلهما فقط، بل لكلّ الطّبيعة البشريّة. بخضوعهم للمجرّب، إرتكب آدم وحواء خطيئة شخصيّة، لكنّ هذه الخطيئة انتقل أثرها إلى

الطّبيعة البشريّة بحدّ نفسها. إذاً سينقلانها، في حالة سقوط، عن طريق التّفشّي. منذ ذاك، جُرّدت الطّبيعة البشريّة من القداسة والبرارة الأصليتين. ولهذا فالخطيئة الأصليّة مدعوّة" خطيئة "على سبيل المشابهة : إنّها خطيئة" موروثة" لا "مرتكبة"، حالة لا فِعْل * ت م ك ك ٤٠٤ . والمعموديّة بمنحها حياة نعمة المسيح، تمحو الخطيئة الأصليّة وتردّ الإنسان إلى الله، ولكنّ العواقب في الطّبيعة المُضعَفَة والميّالة إلى الشّرّ، تبقى في الإنسان وتدعوه إلى الجهاد الرّوحيّ * ط ت م ك ك ٤٠٥ .

دون إرادة إلهيّة خاصّة، لن تكون مريم، المولودة من رجل وإمرأة متّحدين بالزّواج حسب قانون الطّبيعة، مختلفة عن غيرها من الكائنات المتحدّرة من أصل آدم المحكوم عليه. كان بإستطاعتها الفوز بمحلّها في سلالة الصّالحين الكبيرة مثل الكثيرين غيرها من العهد القديم، لكن لا شيء أكثر. إذاً، حُفِظَت مريم، من خلال نعمة مميّزة من ميراث آدم وحواء. تحمل هذه النّعمة اسماً : الخلاص الصّائن. إذ يوجد خلاصاً مزدوجاً : الّذي يُحرّر من الخطيئة الّتي وقعنا فيها بفضل الإستحقاقات النّاجمة من الخلاص المنجز، والآخر- أكثر جودة- الّذي يحفظ من الوقوع في الخطيئة، وقاية من الخلاص الآتي. يُدعى الأوّل الخلاص المحرّر :هو شائع لجميع سلالة آدم بطريقة عاديّة. الثّاني، الخلاص الواقي، هو خاصّ ومميّز للعذراء مريم. إنّه لشيء نادر : ظنّ عدد كبير من تيولوجي العصور الوسطى و الشّعارات التّيولوجيّة( من بينها القدّيس توماس داكان والقدّيس بونافنتورا) أنّ خلاص البشر، هوفقط الخلاص المحرّر من الخطيئة * Gabriel M ROSCHINI O.S.M., La Vierge Marie dans l’œuvre de Maria Valtorta, éditions MKolbe et edizioni Pisani ظ 1984, p. 270..

لم يستطيعوا إذاً تصوّر مريم الحبل بلا دنس. مع هذا، سيعطي تيولوجيّاً من العصور الوسطى، جان دنس, سكوت( ١٣٠٨ mfo) رأيه التّيولوجي لعبادة بدأب بالإنتشار في إيرلندا، سكوتلندا وإنكلترا في العصر السّادس عشر تحت تأثير من الكنيسة الشّرقيّة، دون تدخّل روما مع ذلك لمنع هذه العبادة. كانت هذه العبادة عبادة حبل مريم. هذه هي النّصوص المهمّة لتحليل سكوت حول الطّهارة في عريّة البرهنة ودقّتها * ع إنّ فكرة جان دانس سكوت الأساسيّة هذه مستخرجة من مخاضرة أُعطيَت في أورسي في ٢٧ تشرين الثّاني سنة١٩٩٣ من قبل الأخ فرنسيس دو بيير، السّيدة حسب قلب الله، محاضرة مودعة في كُتيّب منشور من T.A.C، مؤسّسة القديس أندريه ص. ١٥ و ١٦. :

وساطة المسيح الكاملة

يمارس الوسيط الأكثر كمالاً عمل الوساطة الأكثر كمالاً ممكن تجاه الشّخص الّذي يريده أن ينعم بعمله. الإنسان يسوع المسيح، كونه الوسيط الوحيد الأكثر كمالاً بين الله والبشر كما يقول( القدّيس بولس)، قد مارس إذاً عمل الوسيط الأكثر كمالاً تجاه هذا الإنسان الّذي هو الوسيط. لكنّ هذا الأخير لم ينل على أيّ وساطة أكثر كمالاً إلا تجاه مريم. وكان العمل الأكثر كمالاً، ليس التّحرّر من الشّرّ، بل الوقاية من الشّرّ. إذاً،ّ لقد استحقّ يسوع بصون مريم من الخطيئة الأصليّة. بالفعل، يشرح سكوت أنّ هذا معروفاً أكبر من صون أحد من الشّرّ كجعله بالوقوع في الخطيئة لتحريره بالتّالي. لكن، أكثر أيضاً، يعظّم هذا الصّون مجد المسيح الوسيط والمخلّص : يقول سكوت، أنّ مريم قد حصلت على أكبر حاجة من المسيح المخلّص منّا نحن. إذ كان بوسعها إلتقاط الخطيئة الأصليّة بسبب التّفشّي الجامع، لو لم تكن مصونة بنعمة الوسيط. ولو كان الآخرون بحاجة للمسيح للخلاص من خطيئتهم المتعاقدة سابقاً، لكانت مريم بحاجة أكثر إلى الوسيط لمنعها إلتقاط الخطيئة. من ناحية أخرى، لن يكون المسيح المخلّص الأكثر كمالاً لو لم يستحق أن تكون مريم محميّة من الخطيئة الأصليّة. بطريقة أخرى، إنّ مريم ضرورية، ليمارس المسيح ايضاً الوساطة الأكثر كمالاً. وإلاّ، ستكون الخطيئة أقوى من المسيح، لو لم تكن مريم بلا دنس * غ سنسمح لنفسنا بالإصرار على جرأة فكرة دانس سكوت العميقة، المنتشرة في ذلك الوقت، حول العذراء بلا دنس. فكرته الحاذقة هي عدم الإنطلاق من فرضيّة تقليديّة مثل مجد الله العظيم، لكن الإنطلاق من حدث معلن : المسيح الوسيط الكامل ؛ والعثور أنّ حبل العذراء بلا دنس هو وحده، من خلال حماية كاملة من الخطيئة وليس فقط الطّهارة من الخطيئة، تملأ شروط الوساطة الكاملة. بالنّسبة لدانس سكوت، لم يعد المقصود التّعريف عن برهان تقليديّ، بل عن إثبان في الإيمان. لن يكون المسيح الوسيط الكامل لو لم يُعطِ لأمّه الأولويّة لتكون مصونة من الخطيئة الأصليّة." أُثبتُ، باسم جلالة ابنها كونه المنقذ المصالح والوسيط، أنّ العذراء لم تُلطَّخ بالخطيئة الأصليّة." (Cf. Léon Veuthey, Jean Duns Scot, citant l’oxoniense, 3 ,d3, ql, n4. – Voir aussi Ephrem LONGPRE, La Vierge Immaculée, p. 16)..

وقاية العذراء الأصليّة

تستند البرهنة الأولى المهمّة على وساطة المسيح. لكن على سكوت الإجابة على اعتراض مقتبس من وضع العذراء. لقد قيل له، أنّ مريم كُوّنت نفس طريقة الكائنات البشريّة الأخريات، بمقتضى جيل خاضع لقانون الشّهوة. إذاً، لقد أُفسِد جسدها ؛ والتقطت الرّوح المتّحدة مع الجسد الدّنس الأصلي. إذاً، لم تُحرَم مريم من صعوبات طبيعتنا الجامعة : الجوع، العطش، التّعب، الألم، الموت. هذه الصّعوبات هي نتيجة الخطيئة الأصليّة الّتي ورثتها بولادتها. لكن سكوت أجاب : ليس لهذه الصّعوبات علاقة ضروريّة مع الخطيئة الأصليّة. يسوع بنفسه قد قبلها. كان باستطاعة يسوع ممارسة تاثيره كوسيط في صونه مريم من الخطيئة الأصليّة، تاركاً لها صعوبات مارستها بحريّة (كمساهة في الخلاص). خاتمة دنس سكوت " إذا لم يكن هذا معارضاً لسلطة الكنيسة أو لسلطة الإنجيل المقدّس، من الأرجح منح مريم كلّ ما هو ممتاز، أيّ الحبل بلا دنس." Vierge Marie Immaculée conception

نظريّا، في ذهن دنس سكوت، هناك دائماً أكثر فأكثر تأكيدين متّحدين، لذلك فهو حقّاً ابن فرنسيس. من جهة، يؤكّد دائماً أنّ الحبل بلا دنس له أفضليته : لن يكون المسيح الوسيط الأكثر كمالاً لو لم يستحق أن تكون مريم مصونة من الخطيئة الأصليّة. لن ينكره أبداً، وذلك مجازفاً بحياته. ليس أقلّ خطورة من جهة ثانية، لكن كم هي غنيّة في المعنى في ذلك العصر محميته : عدم تأكيد الحبل بلا دنس إلاّ في نطاق حيث تعترف سلطة الكنيسة به. بالنّسبة لسكوت، فقط الكنيسة وحدها قادرة بالإعتراف بالعذراء الحبل بلا دنس كحقيقة إيمان لأنّ الكنيسة ومريم، مثله ومثل فرنسيس، هما سرّاً واحداً ونفسه، مريم-الكنيسة.

سيكون اعتراف الكنيسة من خلال إعلان عقيدة * علينا النّظر با ستمرار في حدس دانس سكوت الأساسيّة الملهمة من القدّيس بولس : المسيح هو "المولود الأوّل"، فآدم لم يكن إلاّ نبذة ، شُوّهَ بسرعة بسبب حبّه المفرط لحواء الّذي لم يرد إحزانها برفضه التّفاحة في جنّة عدن. بالنّسبة لدانس سكوت، كلّ شيء مليء بالتّلميحات ! Id. p. 40, note 139 ألأخ فرنسيس دو بيير الحبل بلا دنس سنة١٨٥٤ من قبل البابا بيوس التّاسع :

" إنّ الطّوباويّة العذراء مريم قد صينَت، منذ تلك الّلحظة الأولى للحبل بها، سليمة من كلّ لطخة من لطخات الخطيئة الأصليّة، وذلك بنعمة من الله الكلّيّ القدرة وبإنعام منه، نظراً إلى استحقاقات يسوع المسيح مخلّص الجنس البشري * ق ت م ك ك ٤٩١ . "

ميلاد العذراء مريم وتقدمتها للمعبد

Vierge Marie présentation au temple تحتفل الكنيسة تقليديّاً بالقدّيسيين الطّوباويين يوم عيد موتاهم. تعرف هذه القاعدة إستثنائيين : القدّيس يوحنا، الّذي نحتفل بعيده في ٢٦ حزيران (٦ أشهر قبل تاريخ ميلاد يسوع :" ها إنّ إليصابات نسيبتكِ قد حبلت هي أيضاً بابن في شيخوختها وهذا الشّهر هو السّادس"(لو١ ٣٦) ومريم العذراء، عالمين أنّ التّقويم الطّقسي يعدّ أكثر من إثني عشر عيداً : الحبل بلا دنس(٨كانون الأوّل) ؛ مريم، أمّ الله (١ كانون الثّاني) ؛ سيّدة لورد(١١ شباط) ؛ الزّيارة(٣١ أيّار) ؛ القدّيسة مريم، معزّية المحزونين(السّبت بعد الأحد٤ من الفصح)؛ قلب مريم الطّاهر(سبت الأسبوع الثّالث بعد العنصرة)؛ سيّدة جبل الكرمل(١٦ تمّوز)؛ عيد الصّعود(١٥ آب)؛ العذراء مريم الملكة(٢٢آب)؛ العذراء مريم الوسيطة(٣١آب)؛ ميلاد العذراء مريم(٨ أيلول، التّاريخ الّذي ساعد في تثبيت عيد الحبل بلا دنس، قبل تسعة أشهر، في ٨ من كانون الأوّل)؛ سيّدة الورديّة(٧ تشرين الأوّل)؛ تقدمة العذراء إلى المعبد(٢١ تشرين الثّاني)، تواريخ نزيد عليها الأعياد الّتي مريم هي أيضاً معنيّة :

ميلاد المسيح، العائلة المقدّسة، الغطاس، ...،العنصرة، عيد القربان المقدّس. إنّ عيد ميلاد العذراء مريم قديم جدّاً، إذ كان يُحتَفل به منذ العصر السّابع عشر. يشير نشيد فاتحة عن الطّابع المتّصل لمريم ويسوع في المخطّط الإلهي
: Salve, sancta parens القدّاس

Salut, ô Mère sainte; Mère qui avez enfanté le Roi qui régit le ciel et la terre dans les siècles des siècles. De mon cœur a jailli un beau poème: je dédie mes oeuvres au Roi.تطبّق الّليترجيّا على مريم ما تقوله الأناجيل المقدّسة عن الكحمة الأبديّة، الّذي هو الكلمة الّذي" خُلِقَ كلّ شيء من خلاله". مثل المسيح، ترأس العذراء لكلّ عمل الخليقة، غذ إنّها اختيرت لتعطينا المخلّص. فهي وابنها خصوصاً كانا في نظر الله عند خلقه العالم.

يحتفل الدّوران الّليترجي بتقدمة مريم إلى معبد أورشليم. يعود هذا العيد لتقليد إلهي يستمدّ أصوله من الإنجيلين الكنائيسين الّلذان ينقلان أنّ مريم العذراء قُدّمت إلى المعبد في عمر الثّلاث سنوات * ك المستد الأوّل الّذي يتحدّث عن تقديم مريم إلى الهيكل في عمر الثّلاث سنوات ومؤلّفاً من قبل مسيحي نحو منتصف القرن الثّاني هو Protévangile de Jacques ( voir g. Bonaccorsi. Vengili apocrifi, Florence, 1948, t. I, 71- 75). ، وقد عاشت، حتّى خطوبتها، مع فتيات أخريات ونساء قدّيسات الّلواتي كنّ يهتمنّ بهنّ.

البشارة

ستّة أشهر قبل البشارة، أعلن الملاك جبرائيل لزكريّا، كاهن آنذاك في خدمة معبد أورشليم، أنّه سيكون له ابناً سيعدّ للرّبّ شعباً كاملاً. لكن، بالنّسبة لمريم، يختلف مكان البشارة. سيزورها الملاك جبرائيل في بيته الخاص (لو ٢٦-٣٨) :
في الشّهر السّادس، [بعد تكوين يوحنا المعمدان المعلن من الملاك جبرائيل لزكريّا] ، أُرسل ١ ٢٦-٣٨أُرسل الملاك جبرائيل من قبل الله إلى مدينة في الجليل تسمّى النّاصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود ؛ واسم العذراء مريم.

يشير اختلاف المكان أنّ منذ تلك الّلحظة، أراد الله أن يكون حاضراً بين البشر، ليس فقط في معبد لكن بطريقة جديدة، في وسط وجودهم * P. André Feuillet, P.S. Sulp., Le Sauveur Messianique et sa Mère dans les récits de l’enfance de Saint Matthieu et de ل Saint Luc, Divinitas, avril 1990,p. 108 et s. Nota: l’essentiel du commentaire de l’Annonciation est extrait de cette étude ainsi que, du meme auteur, JESUS ET SA MERE d’après les récits Lucaniens de l’enfance et d’après Saint Jean – Le role de la Vierge Marie dans l’histoire du salut et la place de la femme dans l’église, J. Gabalda et cie. Editeurs, 1974, p.20 et 21. Ce nota vaut également pour tous les paragraphes jusqu’à celui intitulé «Marie Corédemptrice» inclus.

م لنتذكّر أنّ كلمات ممتلئة نعمة من لو ١ ٢٨ هي إحدى أهم أسس المختصّة بالكتاب المقدّس لعقيدة الحبل بلا دنس. من الواضح عدم الفهم : لقد كنت ممتلئاً بالنّعمة الإلهيّة وبالمقابلن الرّبّ معكَ، لكن بالأحرى أجدر : لقد كنتَ ممتلئاً بالنّعمة الإلهيّة لأنّ الرّبّ معك. في اشعيا، فصلي ٧و
. وسلّم الملاك على مريم مغيّراً اسمه : لمّا دخل إليها الملاك قال : السّلام عليك، يا ممتلئة نعمة،... "لنلاحظ في المقطع، إستعمال في الّلغة الفرنسيّة، مفرد كلمة نعمة. يوضح بالفعل حول معنى السّلام. لا يتحدّث الملاك جبرائيل عن النّعم، كما لو كان لمريم ببساطة فضائل كثيرة أوأيضاً بأن يقول لها بأنّها لطيفة. هي ممتلئة نعمة، أيّ بهبات إلهيّة * هو فعل عمّانوئيل المسبق ("لأنّ الله معنا") العامل في التّاريخ قبل مولده، والّتي أفشلت جميع المشاريع المزيّفة ضدّ السّلطة الدّاوديّة : "تشاوروا مشورة فتبطل ؛ تكلّموا كلاماً فلا يقوم لأنّ الله معنا"(أش ٨ ١٠). ونفس الشّيء من خلال عمل عمّانوئيل المسبق، والّذتي قُدّرت العذراء مريم أن تكون الأمّ ("لأنّ الرّبّ معك")، وأنّ مريم إمتلأت بالنّعمة الإلهيّة والحامية، منذ نكوينها، من السّقوط الأصليّ. .يعلن جبرائيل بالفعل لمريم عن العمل العظيم (سرّ التّجسّد) الّذي يستعد الله لإنجازه من خلالها في تاريخ الخلاص. ثمّ تأتي نهاية السّلام حيث الفعل مضمر" ...،الرّبّ معكِ." المقصود بعبارة متكرّرة في الإنجيل(تك٢١ ٢٢،٢٦ ٣،٢٦ ٢٤،٣١ ٣، خر٣ ١٢،قض٦ ١٢، ...)حيث الفعل غائب معظم الأحيان، خاصّة كما هو الحال هنا، فتعبّرعن وجود Vierge Marie Annonciationأكيد لنجدةٍ إلهيّة في ظروف مهمّة خصوصاً لتاريخ الخلاص. نفهم أفضل شعور مريم الّذي أخاف سلام الملاك تواضعها : اضّطربت من كلامه وفكّرت ما عسى أن يكون هذا السّلام. طمأنها الملاك قائلاً : لا تخافي يا مريم فإنّكِ قد نلتِ نعمةً عند الله. وأعلن جبرائيل لمريم أنّها اختيرت لتكون أمّ المخلّص المسيحي. يعلنه بعبارات مستوحاة من عدّة مقاطع مسيحيّة من العهد القديم : ها أنتِ تحبلين وتلدين ابناً وتسمّينه يسوع * ن يسوع هو تسمية المخلّص طيلة عمله على الأرض. عمّانوئيل هو اسمه ألأكثر علوّاً، الّذي سيحمله إلى الأبد، والّذي يشير إليه أيضاً متى في آخر إنجيله، عندما يعد يسوع، المقيم من بين الأموات، رسله بأن يكون دائماً معهم(= الله معنا) حتّى منتهى الدّهر متى٢٨ ٢٠. . وهذا سيكون عظيماً وابن العليّ يُدعى. وسيعطيه الرّبّ الإله عرش داود أبيه ويملك على آل يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه انقضاء. سألت مريم الملاك :" كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً ؟"، سؤالاً غريباً إذ أنّ مريم كانت مخطوبة ليوسف، من بيت داود. بعبارة أخرى، كانت تعرف طبعاً رجلا لكن ما عنته بعبارة لا أعرف رجلا يعبّر دائماً عن ما يعنيه الفعل أعرف في هذه النّصوص الكاملة : الحصول على علاقات زوجيّة * ه كما في تك ٤ ١ : عرف آدم حواء، إمرأته ؛ فحملت وولدت قاين... ٤ ١٧ وعرف قاين إمرأته فحملت وولدت أخنوخ... ٤ ٢٥ وعرف آدم إمرأته فولدت ابناً وسمّته شيتاً... . رغم خطوبتها، بقيت مريم عذراء، ويبدو من خلال هذا الكلام، أنّها عزمت سابقاً على البقاء هكذا * و كانت مريم العذراء : عذراء الرّوح، عذراء الحسد، في ثلاث مراحل حياتها : قبل، أثناء وبعد الولادة. ليست بتولة مريم الدّائمة تقليداً نما بسسب إحترام محبّ للطّوباويّة أم الله. إنّها حقيقة، وعُرِفَت منذ الأزمنة الأولى. يعطينا الإنجيلي متى، بهذا الخصوص، تحديدات دون غموض. بخصوص الحبل حتّى الولادة : " فأخذ امرأته ولم يعرفها حتّى ولدت ابها البكر وسمّاه يسوع"(متى١ ٢٤-٢٥). والفترة الّتي تلي الولادة، يسمح لنا الإنجيل للوصول إلى تأكيدات حول بتولة مريم الدّائمة (بالإضافة إلى تقليد الكنيسة). ينقل لنا متى : " قم خذ الصّبي وأمّه واهرب إلى مصر" (متى٢ ١٣) ؛ وقم فخذ الصّبي وأمّه واذهب إلى أرض إسرائيل فقد مات طالبو نفس الصّبي. فقام وأخذ الصّبي وأمّه وجاء إلى أرض إسرائيل"(متى٢ ٢٢-١). في الحالات الثّلاث، يحدّد متى الصّبيّ وأمّه، وليس الصّبيّ وامرأتك. إذا لم يستعمله، ليس لأنّ الكلمة إمرأة محرّمة في ذلك الوقت. على العكس، نجدها غالباً في الأناجيل : "تزوّج أوّلهم امرأة ومات ولم يكن له نسل فترك امرأته لأخيه،...(متى٢٢ ٢٥) ؛ "من يطلّق امرأته"(مر١٠ ١١) ؛ يدعو لوقا أليصابات إمرأة زكريّا أربع مرّات على التّوالي(لو١ ٥، ١٣،١٨ ٢٤) ولاحقاً، "وحنّة إمرأة كوزى"(لو٨ ٣). لكن في شتّى الأحوال، وكما في العهد القديم، تعني كلمة إمرأة أنّ الزّواج قد تمّ. لا نعدّ عدد المقاطع الّذي يحدّده العهد القديم. سننقل بعضاً منها : "ولذلك يترك الرّجل أباه وأمّه ويلزم امرأته فيصيران جسداً واحداً(تك٢ ٢٤) ؛ دُعيَت سارة إمرأة إبراهيم(تك١٧ ١٥) ؛ وقد قيل للوط"قم فخذ امرأتك وابنتيك"(تك١٩ ١٥). في الحالة هذه، عندما يتعلّق الأمر بمريم ويوسف، لا يستعمل متى أبداً كلمة إمرأة، لكن أمّه، زوجته: "خُطِبَت مريم أمّه ليوسف"(متى١ ١٨)؛" ويعقوب ولد يوسف رجل مريم المولود منها يسوع "(متى١ ١٦)؛" خذ الصّبيّ وأمّه"(متى٢ ١٣؛٢٠٢١). يُظهر لنا الملاك، الّذي قال بعد بضع سنوات "خذ الصّبيّ وأمّه" أنّ مريم هي أمّ يسوع الحقيقيّة، لكن لم تكن إمرأة يوسف. لقد بقيت دوماً عذراء، زوجة يوسف .(حسب م ف ج. ١ ص.٢٢٥). . من هنا سؤالها كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً ؟" بعبارة أخرى "بما إنّيّ عذراء." ويحدّد جواب الملاك لسؤالها الشّرعي ليس فقط كيف سيتمّ هذا بل يُعلمها أيضاً أنّه سيُنجز سرّ التّجسّد : إنّ روح القدس يحلّ عليكِ وقوّة العليّ تُظلّلكِ ولذلك قالقدّوس المولود منكِ يُدعى ابن الله. لا نستطيع إلاّ بمقارنة هذا الإعلان بمقطع الخروج :" ثمّ غطّى الغمام خباء المحضر وملأ مجد الرّبّ المسكن"(خر٤٠ ٣٤-٣٥). يتناسب الغمام، رمزالعظمة الإلهيّة، الّذي يغطّي خباء المحضر، مع الرّوح القدس الّذي حلّ على مريم ، أو أيضاً فضيلة العليّ الّذي يغمرها. يتناسب مجد الرّبّ الّذي يملأ المسكن حبل مريم الفوطبيعيّ بكائنٍ يستحقّ أن يكون قدّيساً وابن الله إذ إنّ الملاك أعلن لمريم عن أمومة إلهيّة حقّاً.

نلاحظ أنّ العذراء مريم كانت قبلاً، عند البشارة، المستفيدة الأولى لرؤيا السّرّ الثّلاثي * ي تُظهر سيرة لوقا عن البشارة روعة التّجسّد المحقّق بسبب تدخلّ اشخاص الثّالوث الثّلاث : ١) بسبب إرادة الآب :" أُرسلَ الملاك جبرائيل من الرّبّ"؛٢) بسبب إبن الله الخاص الّذي عليه أن يكون إبن مريم، وهذا لن يمنعه بالبقاء وبهذا بأن يُدعى دوماً ابن العلّي؛٣) بسبب فعل الرّوح القدس الّذي عليه أنّ يحلّ على مريم وعلى الرّسل في العنصرة، فالرّوح هو دوماً في الإنجيل، مصدر الحياة الأهمّ. ، أيّ سابقاً لهذا السّرّ فائق الوصف المُعلن ليوحنا المعمدان إثر عمادة يسوع، وإلى ظّهور كبير لنفس هذا السّرّ المعلن للكنيسة الوليدة الكاملة إثر عيد العنصرة. هذه أيضاً ملاحظة أخرى مرتبطة بنفس الطّريقة جرت حول تكوين يسوع : بفضل تدخلٍّ الرّوح القدس العظيم، ليست مريم أمّ رجل أصبح إلهاً ؛ هي أمّ كائن بشريّ الّذي كانت شخصيّته دوماً إلهيّةً من خلال نفس القوانين الّتي سبقت تكوينه: هي أمّ الله. نلتقي هنا ما يكوّن أكبر أصالة الدّيانة المسيحيّة. ليست أوّلاً مجموعة مبيّنات مذهبيّة أو قواعد أخلاقيّة، بل شخصاً إلهيّاً.

وها إنّ أليصابات نسيبتكِ قد حبلت هي أيضاً بابن في شيخوختها، وهذا الشّهر هو السّادس Vierge Marie Annonciation لتلك المدعوّة عاقراً ؛ لأنّه ليس أمر غير ممكن لدى الله. تُعلم البشرى المعلنة لمريم أنّ نسيبتها هي حامل في الشّهر السّادس، هي الّتي لم تُرزق أبداً بولد وقد أصبحت في سنّ متقدّم يستحيل عليها الحبل. تُظهر نهاية هذه البشارة أنّ، هنا أيضاَ وبشكل مختلف، قد تدخّل الله عجائبيّاً لمريم كما تدخّل لسارة وإبراهيم إذ أعلى الرّبّ أمر عسير؟(١٨ ١٤)

ينتهي مشهد البشارة بعزمٍ من مريم :" أنا أَمَةُ الرّبّ ليكن لي بحسب قولكَ". لاحقاً، سيكون يسوع جاهزاً ؛ سيعلن أنّه جاء ليخدُمَ(مر١٠ ٤٥ ؛ متى٢٠ ٢٨ ؛ لو٢٢ ٢٧ ؛ فل٢ ٦-١١) .
بكونها أَمَةُ الرّبّ، تدخل مريم أيضاً في مخطّط الخلاص الإلهي مع عواطف بالجهوزيّة التّامّة. يُعلنُ عزمها" لتكن مشيئتك" لآب (متى٦ ١٠) ،،أو أيضاً " لا تكن مشيئتي بل مشيئتك"في جبل الزّيتونَ (لو٢٢ ٤٢) . أخيراً، طاعتها الكاملة هي نقيض عصيان حواء. لقد وَثِقَت حواء بالحيّة، ووثِقَت مريم بجبرائيل ؛ الشّرّ الّذي فعلته حواء بوثوقها بملاك الظّلام، تلغيه مريم بوثوقها بملاك الله. بالفعل، في البشارة، لا يوجد مرجعاً لحواء، وهذا هو السّبب. في إنجاز سرّ التّجسّد، تُدخِلُ مشهد البشارة روح الله الّذي يرفّ على وجه المياه كقوّة محية (تك١ ٢) . تُدخِلُ أيضاً كلمة الله العظيمة الّتي لاشيء مستحيل لها. في الله، تتطابق الكلمة والفعل، وقد انطلقت فعالية الكلمة الإلهيّة أوّلاً في التّكوين :"فإنّه قال فكان الخلق"(مز٣٢ ٩). تتذكّر العذراء مريم عندنا تستسلم للرّبّ الّذي بالنّسبة له القول والعمل هما شيئين واحدين :" فليكن لي بحسب قولك". هذا يعني أنّها تستسلم لتدخّل الرّوح القدس المعلن من جبرائيل. ويبدو من خلال ذلك أنّنا مردودين سرّيّاً للخليقة الأولى، عمل الكلمة والفعل الإلهيّين سويّاً( تك١)، ممّا يجعل التّجسّد يظهر كنقطة البداية لبشريّة جديدة ومريم كأمّ جديدة للأحياء.

الزّيارة

وفي تلك الأيّام [الأيّام الّتي تلت بشارة الملاك جبرائيل]، قامت مريم وذهبت مسرعة إلى الجبل إلى مدينة يهوذا. ودخلت إلى بيت زكريّا وسلّمت على أليصابات. يحدّد التّقليد هذا المشهد في عين كريم حيث يسكن، حسب الإعثقاد، أهل الّرائد (حوالي٦ كيلومترات من أورشليم).
عندما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين من الإبتهاج في بطنها وامتلأت أليصابات من الرّوح القدس. فصاحت بصوت عظيم وقالت :" مباركة أنتِ في النّسّاء ومباركة ثمرة بطنكِ ! من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليّ ؟ فإنّه عندما بلغ صوت سلامك إلى أذنيّ ارتكض الجنين من الإبتهاج في بطني."من الواضح، كما مثل البشارة، أنّ هدف الزّيارة هو جعلنا نتأمّل في مريم تابوت العهد الجديد الّذي يتضمّن في بطنها الكلمة، كلمة الله. لنتذكّر أنّ في سفر الخروج، طلب الرّبّ من موسى أن يبني تابوتاً يوضع فيه لوحا الوصايا العشر، كلمة الله. تلقّى تابوت العهد الملكي تكريماً مميّزاً من الشّعب، كما تتلقّى مريم، في الوقت الحالي من قبل نسيبتها ثم من البشريّة بعدهان تكريماً مميّزاً.ّ فنجد عندها في سيرة الزّيارة بضع تقارب مع سفر الملوك الثّاني لصاموئيل : "كيف ينزل تابوت الرّبّ عندي " قال داود(٢صم٦ ٩) كما قالت أليصابات " من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليّ ؟"التّكملة مليئة بتأبّهات من كتابات صاموئيل، وخصوصاً تلميحات نقل التّابوت إلى أورشليم(٢صم ٦). هناك في الحالتين سفراً في جبال يهوذا(مراجعة ٢صم ٦ ٢ ولو١ ٣٩) ومظاهرات استبشار(مراجعة ٢صم٦ ١٢ولو١ ٤٤) ؛ من وثبات داود الفرحة إلى ارتكاض يوحنا المعمدان ؛" فبقي تابوت الرّبّ في بيت عوبيد أدوم الجتّي ثلاثة أشهر"(٢صم٦ ١١) "ومكثت مريم عندها ثلاثة أشهر"(لو١ ٥٦). وهكذا إنّ مريم موحّدة مع تابوت الرّبّ حيث مسكن الله.

إنّ استبشار الرّائد في قلب اليصابات هو فرح بترتيب مسيحي. بالفعل، يلاحظ لوقا في أيّ من سيراته الطّفوليّة أنّ سعادة العصر تظهر مع يسوع(لو١ ١٤، ٢٨، ٤٧؛ ٢ ١٠).
يتطابق ارتكاض يوحنا المعمدان في بطن أمّه بحدّ نفسه مع هذا الموضوع. البارز هنا، أنّ الرّوح القدس والفرح معطيان إلى أليصابات من قبل يسوع الحيّ في بطن مريم ؛ بطريقة أخرى، هما متطابقان بتدخّل مريم : " عندما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها". وهكذا بواسطة مريم تُعطى هبة المسيح إلى البشر والنّعم المتعلّقة بمجيئه. منذ ذلك الوقت أليس من الطّبيعي أن تُعلن من قبل أليصابات" مباركة بين النّساء"، أيّ مباركة أكثر من جميع النّساء الأخريات، كما قد قيل سابقاً ليهوديت(يه١٣ ٢٨)؟ الشّرف الّذي استحقته أليصابات، هو دون شكّ، وقبل كلّ شيء، زيارة ربّها الموجود في مريم، وأيضاً زيارة مريم : " من أين لي هذا أن تاتي أمّ ربّي إليّ ؟". Vierge Marie Visitation

تنهي أليصابات حلقة الزّيارة بمدح إيمان مريم : " فطوبى للّتي آمنت لأنّه سيتمّ ما قيل لها من قبل الرّبّ !"(لو١ ٣٩-٤٥).
فعلاً، إنّ مريم العذراء هي مثال المؤمنين. يظهر لنا القدّيس يوحنا، خصوصاً في نهاية إنجيله، الإيمان كحال رئيسي لتلميذ يسوع : "لأنّكَ رأيتني آمنتَ، طوبى للّذين لم يروا وآمنوا"(يو٢٠ ٢٩). لا نعي هذا كفاية، لكن الحاصل هو أنّ إيمان مريم الّذي هو ممجّد بطريقة غير مباشرة من قبل ابنها خلال حياته العلنيّة، بينما تتوجّه إليه إمرأةً من إسرائيل بين الجمع قائلة : " طوبى للبطن الّذي حملكَ وللثّديين الّلذين رضعتهما !" لكن يسوع أجاب : " بل طوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها"(لو١١ ٢٧-٢٨).
من، أفضل من مريم، قد سمع كلمة الله وحفظها ؟ بالفعل، دون إيمانها، لما أفادتها أمومتها الجسديّة لشيء. مع هذا، ويظهره إنجيل لوقا بشكل جيّد جدّاً، مريم هي المثال نفسه للنّفوس الّتي تسمع كلمة الله وتحفظها.

إنّ جواب مريم لنسيبتها أليصابات هو هذا التّمجيد العظيم لفعل النّعمّة...

تسبحة البتول

تعظّم نفسي الرّبّ

وتبتهج روحي بالله مخلّصي

لأنّه نظر إلى تواضع أمّته

فها منذ الآن تطوّبني كلّ الأجيال

لأنّ القدّيس صنع بي عظائم

واسمه قدّوس

ورحمته إلى أجيال وأجيال للّذين يتّقونه

صنع عزّاً بساعده

وشتّت المتكبّرين بأفكار قلوبهم

حطّ المتقدّرين عن الكراسي

ورفع المتواضعين

أشبع الجياع خيراًوألأغنياء أرسلهم فارغين

عَضَدَ إسرائيل فتاه

فذكر رحمته

كما كلّم آباءنا لإبراهيم

ونسله إلى الأبد

ما ينتج من هذه التّسبحة الملفوظة من مريم، هو ربّما وأوّّلاً تواضعها الهادئ. فلا تفتخر مريم بما حصل لها لكن نفسها تعظّم الرّبّ وتبتهج روحها بإلآهها مخلّصها. لقد ذُكِرَت علاقة تّسبحة البتول مع نشيد أمّ صاموئيل من قبل الجميع. لكن بينما هذا الأخير، ومنذ البداية، له نبرة ثأر منتصرة شخصيّة على أعداءٍ : " إرتفع قرني بالرّبّ اتّسع فمي على أعدائي " (١صم٢ ١) ،
إذ نشيد مريم هو استدانة لهذا التّواضع السّاكن الّذي يميّزه : " لأنّه نظر إلى تواضع أمّته فها منذ الآن تطوّبني كلّ الأجيال."

يظهرأيضاً تتطابق أكيد من مريم مع بنت صهيون في تسبحة البتول. تتردّد كلمات" تبتهج روحي بالله مخلّصي" لنشيد جماعة إسرائيل مهاجمون من قبل الطّاغي الكلداني : " فأتهلّل بالرّبّ وأبتهج بإله مخلّصي"(حب٣ ١٨).
إنّ شكر مريم الشّخصّي هو في نفس الوقت شكر جميع الفقراء( الجزء المختار من شعب إسرائيل)، جميع الصّغار، وطبعاً، جميع الّذين يعترفون بأنهم خطأة : " حطّ المتقدّرين عن الكراسي ورفع المتواضعين... " تجعلنا تسبحة البتول أن نتأمّل بمريم، أمّ الله، الإنجاز الكامل" للفاقة" الإنجيليّة المشمولة مع المعنى العميق الّذي اقبسته شيئاً فشيئاً من العهد القديم وستُعبّر نهائيّاً في القسم على الجبل : " طوبى للحزان فإنّهم يُعزّون"(متى٥ ٣).

في نهاية تسبحة البتول، يقترح إستدعاء إبراهيم، الّذي فيه، في الأصل، وجد الشّعب المختارنفسه مجموعاً، أنّ الآن في مريم سيعاد شعب الله. يلحق استدعاء إبراهيم هذا مع الإستدعاءات الأخرى الّتي حصلت سابقاً في سيرة البشرى : " نلتُُ حظوةً في عينيكَ"(تك١٨ ٣ ولو١ ٣٠) و" أعلى الرّبّ أمر عسير"(تك١٨ ١٤ ولو١ ٣٧). ندرك أنّ من خلال فعل إيمان إبراهيم، نقطة بداية شعب الله من العهد القديم، يتجاوب الآن فعل إيمان مريم، نقطة بداية شعب العهد الجديد. فمن خلال العهد الجديد ستُنجز من الآن فصاعدا الوعود المصنوعة في العهد القديم لإسرائيل، إبراهيم ونسله. في هذا المعنى، تحتفل تسبحة البتول رحمة الله الّتي تكتمل.

ولادة يسوع وتسبيح الرّعاة

Noël naissance Jésus-Christ يجعلنا ترتيب سيرة القدّيس لوقا في الفصلين الأوّلين من إنجيله نقارن ولادتا المعمّد ويسوع : تتغلّب الثّانية على الأولى كما يتجاوز السّيّد المسيح على رائده. والحالة هذه، في تناقضٍ عظيم، بينما تتمّ الولادة الأولى في جوّ من الإستبشار، تتمّ الولادة الثّانية، ولادة يسوع، في الفقر الكامل، فقر الطّفل، وأوّلاً فقر أمّه، العذراء مريم. فالضّيق الشّديد الّذي يحيط بولادة يسوع، يجعلنا نستشعر بأنّه سيكون المسيح الفقير والمتألّم. مع ذلك ليس بعد المسيح الّذي يتألّم مباشرة ؛ يتألّم من خلال أمّه الملزمة بسفر طويل وشاق والّلجوء إلى زريبة. هذا الفقر مؤثّر كما هو معبَّر ببساطة، دون جمل فصيحة، كما لو أنّه من الطّبيعي أنّ الّذي عليه الموت على الصّليب بآلآم دقيقة عن الوصف

والّتي ستشارك أمّه فيها يظهر هكذا على مسرح هذا العالم : " فولدت ابنها البكر * في الإغريق الكتابي، لا تنصّ الكلمة ضروريّاً عن إخوة ثاني البكر، لكن تشير إلى عزّة نفس الولد وحقوقه. فلفّته وأضجعته في مذود لأنّه لم يكن لهما موضع في نزل".

Noël naissance Jésus-Christ إنّ سيرات الطّفولة الّلوقانيّة هي طبعاً دراسات مسيحيّة، لكنّ العذراء لا تنفصل عن المسيح. لا تهدف العلامة المدهشة المعطاة للرّعاة إلاّ المسيح : " وهذه علامة لكم إنّكم تجدون طفلاً ملفوفاً مضجهاً في مذود". وبدأ الرّعاة البحث عن الطّفل ووجدوه مع مريم، وتقريباً، من خلال مريم : " وجاؤا مسرعين فوجدوا مريم ويوسف * يُسمّى يوسف بعد العذراء لأنّ هذا الأخير كان أب يسوع المعيل. والطّفل مضجعاً في المذود". وهكذا، نستطيع القول أنّ بإمكان بشر اليوم الّذين يبحثون عن المسيح العثور عليه مع مريم، من خلال مريم. بفعلهم هذا، لا يكون انحرافاً لسلوك الطّريق، الحقّ والحياة، بل سلوك مختصراً للّذي هو إلآهنا وكلّ شيء. أخيراً، يمثّل موقف مريم بشكل مدهش، كما هو موصوفاً في مشهد الميلاد، وكما سيعاد وصفه في مشهد التّحصيل في المعبد، التّوجيه التّأمّلي بوضوح للحياة المسيحيّة : "وكانت مريم تحفظ هذا الكلام كلّه وتتفكّر به في قلبها "(لو٢ ١٩، ٢ ٥١). ربّما أظهر لنا بشكل أفضل نهاية تأمّل مريم في مشهد تقدمة يسوع إلى الهيكل.

تقدمة يسوع إلى الهيكل

مطيعون للأنظمة عهدهم القانونيّة، قدّم يوسف ومريم الطّفل يسوع وفقاً لطقس التّطهير. وعندما وصلا إلى الهيكل، إذ برجل صالح وتقيّ يحمل الطّفل على ذراعيه ويبارك الله. ثمّ قال لمريم، أمّه : " إنّ هذا قد جُعِلَ لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل وهدفاً للمخالفة. وأنتِ سيجوز سيف في نفسكِ حتّى تُكشَفَ أفكار من قلوب كثيرة ". نتحدّث هنا أحياناً عن سيف الألم. لكنّ السّيف له معنىً أكثر من ألم كبير ؛ يرمز إلى موتٍ عنيف ويذكّرنا منذ الآن إلى دراما الآلام الفظيع. لكنّ سمعان رأى مقدّماً هذا السّيف، ليس مصاباً مباشرة المسيح، بل خارقاً روح أمّه :" وأنتِ سيجوز سيق في نفسكِ". سيكون اتّحاد مريم بيسوع بحيث ستُختَرَقُ بسيف قاتل عندما ستُجرى دراما الآلام. هكذا إذاً، سيُحدِثُ تأمّل يسوع المخترق من جرّاء خطايانا نوعاً من الخلّ الرّوحي * الخلّ هو طريقة الإستئصال تقوم على النّفاذ بالمشرط إلى العضو المُراد قطعه وعلى بتّ الّلحم من الدّاخل إلى الخارج. . سيكون الإنجاز الكامل، لا مثيل له، في مريم العذراء، عن حياة التّأمّل المسيحيّة كما يراها يوحنا الإنجيلي : الإستمرار برؤية بإيمان ومحبّة الّذي اخترقته خطايا البشر.

تحصيل يسوع في الهيكل

Jésus-Christ et les docteurs de la loi على اليهود البالغين أكثر من ثلاثة عشر سنّاً الصّعود إلى هيكل أورشليم ثلاث مرّات في السّنة * في أعياد افصح، العنصرة والخباء خر٢٣ ١٤-١٧؛ ٣٤ ٢٣؛ تث١٦ ١٦). . بإمكان اصطحاب الأولاد لتأليفهم لهذه الطّقوس. يروي لوقا أنّ يسوع، البالغ الإنثي عشر، صعد لأوّل مرّة إلى المدينة المقدّسة. عند العودة، حصل عارض. بقي يسوع في أورشليم دون إنتباه يوسف ومريم. قلقان، ذهبا للبحث عنه، ولم يجداه إلاّ خلال ثلاثة أيّام، ثلاثة أيّام من للعذاب، في الهيكل، "جالساً فيما بين المعلّمين، يسمعهم ويسألهم. وكان جميع الّذين يسمعونه مندهشين من فهمه وأجوبته * لو٢ ٤٦-٤٧.لنلاحظ أنّ مريم ويوسف عثرا على يسوع كما تعثر في النّهاية على الله أو المسيح عندما نبحث عنه بمثابرة. ."فلمّا نظراه بُهتا فقالت له أمّه : " يا بنيّ لمَ صنعتَ بنا هكذا ؟ ه إنّنا أنا وأباكَ كنّا نطلبكَ متوجّعين ! " كيف لا يتألّمان في بحثهما عنه، هما الّلذان تذكّران دون شكّ قساوة هيرودس المتسلّة الّتي أظهرها لقتل المسيح. لكنّ يسوع تعجّب أنّهما بحثا عنه طيلة ثلاثة أيّام في موضع آخر وليس إلاّ في الهيكل.فقال لهما : "لماذا تطلبانني ألم تعلما أنّه ينبغي لي أن أكون فيما هو لأبي." فلم يفهما الكلام الّذي قاله لهما. يُمكن مقاربة جملة " لم يفهما ما قاله لهما "(لو٢ ٥٠ ) من" كان أبوه وأمّه يتعجبّان ممّا يُقال فيه"(لو٢ ٣٣). يُمكننا الإعتقاد أنّ هذين التّعليقين يجعلاننا نظنّ أنّ يوسف ومريم يجهلان كليّاً أبوّة يسوع الإلهيّة. لكن، هذا خطأ. تستبعد بشارة الملاك لمريم وظهور الملاك ليوسف هذا التّفسير(لو١ ٢٦-٣٨ ومتى١ ٢-٢١). يثبّت سؤال يسوع هذا التّأكيد : " ألم تعلما ؟". كان بإمكانهما الإجابة بأجل. لكن مألوفان للعيش مع يسوع على الصّعيد البشري، هما فجأةً مدعوّين، دون أيّ تحويل، للإرتفاع إلى دائرة الحياة الإلهيّة وحتّى إلى مخطّط الآب الخلاصي الّذي يأمر وجود ابنه المتجسّد. يستعمل يسوع كلمة الآب في معنى جديد. لقد قالت مريم للتّوّ" أنا وأباكَ كنّا نطلبكَ" ، ويُجيب يسوع : " ينبغي لي لأن أكون فيما هو لأبي. "وجد جميع شهود تلك الّلحظة (معلّمو القوانين، خصوصاً) نفسهم تجاه جلاء هذا الحدث، أيّ أنّ جلال الله السّاطع يحجب للبشر الأنظار نفسها. مريم، ممتلئة نعمة، الرّبّ معها، زوجة الرّح القدس، هي وحدها الّتي تفهم هذا تماماً * تملك مريم الحكمة منذ تكوينها بلا دنس، لكن، على الجبل، إستقبلت فيها أسرار الله ونستطيع القول أنّ الكلمة سكنت فيها منذ وجودها. وهكذا، ختم القّديسيون ودكاترة الكنيسة، ومن بينهم القدّيس ألبير الكبير، أنّ مريم – قبل استقبالها في أحشائها كلمة الآب لتلبسها جسداً يتكوّن منه المخلّص- كان قي قلبها وحصلت في قلبها بلا دنس الكلمة الإلهيّة، منذ الّلحظة الّتي حصلت على نفس بلا دنس موحية في جسدها، في صدر حنّة. وكانت الكلمة سيّها الحقيقيّ قبل أن يكون ابنها. . لكن لعدم تعذيب يوسف دون شكّ إذ لم يُمنَح كليّة النّعم، حفظت مريم معنى كلمات ابنها المدهشة : " وكانت أمّه تحفظُ ذلك الكلام كلّه في قلبها "(لو٢ ٥١).

كانت حلقة يسوع هذه الضّائع والمعثور عليه في الهيكل فرصة لألم كبير جدّاً زاد على الّذي تنبّأ به سمعان. هكذا تتحضّر التّفريقات المستقبليّة المؤلمة : أوّلاً الّتي تبدأ بالنّسبة لها دخول المخلّص المسحيي في وعظه الإعلاني. ثمّ، وخصوصاً، المرحلة الّلا مثيل لها الأكثر ألماً الّتي تشكّل دراما الألآم القاسية.

ليس عندهم خمر

تُوضّح عظمة وساطة مريم في سيرة عرس قانا. من المهمّ تحديد المشهد في زمانه. ترك يسوع أمّه، الّذي كان حتّى الآن خاضعاً لها، ليبدأ وعظه الإعلاني. يلتقي المعمّد في بيت عنيا في عبر الأردن. عرفه يوحنا المعمدان فأشار إليه لبعضٍ من تلاميذه بأنّه حمل الله الوديع. فتبعوه و فقط بعد بضعة أيّام، تلاقى يسوع وأوّل تلاميذه بمريم في قانا الجليل، إذ كانوا جميعاً مدعوّين لحفلة زواج. وإذ فَرِغَت الخمر. هذا فظيع خاصة لحفلة عرس. فقالت أمّ يسوع له : " ليس عندهم خمر. " ما هي نيّة مريم القاهرة الّتي حثّتها لإظهار لإبنها هكذا طلب؟ هل هو فقط مساعدة مدعوّي العرس ؟ الّذي يدفع مريم قبل كلّ شيء Jésus-Christ noces Canaa للتّعبير عن طلبها، هو أنّها مدركة بإيمانها أنّ يسوع هو المسيح وابن الله، حزرت أنّ الوقت قد حان له ليكشف وجوده للعالم، كمسيح وابن الله : ألم يظهر تجلّي الرّبّ الّذي رافق عمادة يسوع في الأردن، خدمة الرّائد نفسها، هذه المظاهرة المسيحيّة كمُداهِمة ؟ كيف لم يحزره حاسّة مريم الأموميّ ؟ إنّ الأمّ مرتبطة بشكل عظيم مع ابنها، وتظهر دائماً متنبّهة لكلّ ما يهمّه في الحياة وما هو مقدّر له. ليس من أجلها حتماً قد طلبت مريم هذا الإعلان المسيحي. فإيمانها ليس بحاجة. لكن لأجل تلاميذه الأول الّذي اصطحبهم يسوع معه والّتي كانت معتقداتهم بعد مترددة. عندما أتمّ يسوع المعجزة،ذكر الإنجيلي أنّ "تلاميذه آمنوا به". إحتَرس من القول أنّ مريم، هي أيضاً، آمنت به. من ناحية أخرى، إنّ الّذي يقترحه الإنجيليّ بشدّة، هو أنّ إيمان مريم، الّذي حسب القدّيس لوقا هو في نقطة بداية إنجاز سرّ التّجسّد، يوجد هنا في نقطة بداية وعظ يسوع الإعلاني والإيمان المسيحي : لقد آمنت مريم قبل جميع التّلاميذ، وقد أحدث إيمانها العلامة الّتي قادت التّلاميذ إلى الإيمان. يبدو جواب يسوع إلى أمّه قاسياً، بالرّغم من أنّنا نظنّ أنّه قاله بقسواة :" ما لي ولكِ( بعد الآن) يا امراة ؟ لم تأتِ ساعتي تعد "، كأنّه يعني" قبلاً كنتِ تأمرينني وكنتُ أطيع. كنتُ خاضعاً. الآن، أنا في مهمّتي. أنتمي لأبي."

لكن طريقته في الإجابة عبّرت عن قبوله لصلاة أمّه فيما تتوجّه مريم أخيراً إلى الخدّام قائلةً : " مهما يأمركم به فافعلوه. " يعبّر استعمال عبارة "إمرأة" وليس عبارة "أمّي"( بعد الآنً)عن أنّ العلاقات مع أمّه تحوّلت منذ تلك الّلحظة إلى طابع أكثر علوّاً. يدعو يسوع أمّه" إمراة" لأنّها حواء الجديدة مشتركة مع آدم الجديد لخلاص العالم(لو٢ ٥١). تردّنا نهاية جواب يسوع " لم تأتِ ساعتي بعد " لآلآم المسيح والقيامة كما سيكون زمن المظاهرة المسيحيّة الكبرى. لكن هل بوسع مريم فهم أنّ ساعة يسوع كانت في قانا ؟ مع هذا يذكّرنا موقف إيمان مريم ال" مهما يأمركم به فافعلوه". بعد عبارة ثقة مريم الكاملة أتمّ يسوع المعجزة الّتي تمنتها. بتعبيرها عن إيمانها بيسوع، سرّعت مريم، أو بالأحرى حقّقت قبلاً، مجيء ساعة يسوع. هكذا تبدو مريم كوسيطة بين الله والبشر. هي الّتي أعطت الله لإنسان وتعطي الإنسان لله بتعليمها بواسطة محبّتها. هي الباب المقدّس الّذي ينفتح بعطف عندما يدقّ طفل من الله بمحبّة. وكلّما كانت النّفس الّتي تلتفتُ إليها متواضعة وصالحة، كلّما أسرعت بالفتتح والإستقبال. هي تستقبل لتعليم الحكمة والمحبّة، بضمّها أولادها بين ذراعي الأمّ.

في وقت يسوع،" يا إمرأة، هوذا ابنك"ِ

Vierge Marie crucifixion ستلعب مريم تماماً دور الأمّ الرّوحيّة لتلاميذ يسوع، الّذي سبق وإبتدأ في قانا، في الجلجلة. لقد دنت ساعة يسوع. هذة السّاعة هي أيضاً ساعة ولادة العالم الجديد المجازيّة الّتي يخصّها الأنبياء للأمّة المختارة، المشخصّة من قبلهم بمثابة إمرأة، زوجة الله، المسمّاة أيضاً بنت صهيون. لقد صُلِبَ يسوع للتوّ. بينما يدوم عذاب الصّلب، تشرك الجنود ثياب يسوع. وكانت واقفةً عند صليب يسوع أمّه وأخت أمّه، مريم الّتي لِكلوبا ومريم المجدليّة. فلمّا رأى يسوع أمّه والتّلميذ الّذي يحبّه واقفاً، قال لأمّه : " يا إمرأة، هوذا ابنكِ "(يو١٩ ٢٥-٢٦). في نظر يسوع، مريم هي بنت صهيون الّتي يمنحها الأمومة المجازيّة الفوطبيعيّة الّتي تنبّأها الأنبياء. لمريم الّتي ترأى ابنها يموت على الصّليب، لمريم، حواء الجديدة، يُعطي الله ابناً جديداً ۥ بدل هابيل إذ قتله قاين‘(تك٤ ٢٥-٢٦). لكنّ الإبن الجديد المعطى من يسوع إلى أمّه يتجاوز شخصيّة يوحنا وينتشرإلى جميع تلاميذ يسوع، أعضاء جسده السّرّي. تتضمّن فعلاً حلقات الصّلب الخمس كلّها المنقولة من القدّيس يوحنا(يو١٩ ١٧-٣٧)، عدا معنى الحدث الحرفي، معناً تيولوجيّاً ومسيحيّاً أعمق بكثير يدعنا الكاتب نكتشفه بعناية. يُشير تعليق المثبّت على الصّليب(يو١٩ ١٧-٢٢) إلى ملكوت المسيح. تشير مشاركة ثيابه(يو١٩ ٢٣-٢٤) إلى كهنوت المسيح ووحدة الكنيسة. يشير عطش المسيح(يو١٩ ٢٨-٣٠) إلى هبة الرّوح. يقول لنا إختراق الرّمح(يو١٩ ٣١-٣٧) أنّ المسيح هو حمل المسيحيين الفصحي. وهكذا لا يتحدّد مشهد وداع المسيح لأمّه فقط على صعيد بشريّ وعائليّ. في كلمات المسيح، يجعلنا يسوع نفهم أنّ مريم، أمّه، أصبحت في الآلام أمّ المسيحيين الرّوحيّة. بعد أن ولدت جسديّاً جسد المسيح في بيت لحم، أصبحت مريم في الجلجلة أمّ الكنيسة، جسد المسيح السّرّي.

في ساعة يسوع،"هذه أمّك"

في العهد القديم، كانت مهمّة الأمّة المختارة إعطاء مخلّص للبشريّة، دون أن تكون هذه الأخيرة مدعوّة يوماً أمّ المسيح. بالإضافة إلى ذلك، يُعرّف الأنبياء أحياناً بنت صهيون كأمّ شعب الله الجديد لكن (ليس المسيح شخصيّاً). لكن،لم تُنجز مهمّةالأمّة المختارة وبنت صهيون الّتي أوكلها الله لهما في تاريخ العالم التّاريخي إلاّ من خلال مريم. تؤكّد سير لوقا الطّفوليّة، بما أنّ مريم ترى في تسبيحتها ما يحصل لها

هو إنجاز الوعود المصنوعة لإبراهيم وأنّها هي نفسها موجودة، بإيحاء، مثل نوع من التّقمّص لبنت صهيون.

يعلّمنا يسوع، من أعلى الصّليب، إلى من نذهب لكي لا نبقى وحدنا : " هذه أمّك"(يو١٩ ٢٧). من كلّ ما قيل أعلاه، يظهر لنا أنّ كلّ العبارات الموجّهة إلى القدّيس يوحنا هي ايضاً موجّة لنا، إلى كلّ فرد منّا، شخصيّاً. من خلال محبّته البنويّة الفريدة تجاه مريم، يصبح يوحنا مثال أولاده. وإذا عدنا أطفالاً صغاراً، سندخل على ملكوت السّماوات * مر١٠ ١٣ "دعوا الصّبيان يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأنّ مثل هؤلاء ملكوت الله الحقّ أقول لكم من لا يقبل ملكوت اله مثل صبيّ فلا يدخله." . لا نظنّ أيضاً أنّنا بإستطاعتنا دخول ملكوت السّماوات مثل أطفال شجعان يعرفون المشي وحدهم. لنوكل طفولتنا لأمّنا. ستحملنا على صدرها، على قلبها. ستغدّينا من حليب حبّها. مريم هي أمّنا، ليس بمعنى رمزيّ لكن حقيقيّ، لأنّها أمّ من تُعطي الحياة. أعطتنا مريم، تابوت عهد الشّعب المسيحيّ، الحياة، وبالتّالي، الرّوح القدس، أيّ الّذي يُبقي الحياة فينا. أكثر من ذلك، تجعلنا مريم حاملي المسيح وأيضاً مسيحيين غير، حسب جملة القدّيس بولس : " وأنا حيّ لا أنا بل إنّما المسيح حيّ فيّ." Vierge Marie crucifixion

أخيراً، من خلال أمومتها ووساطتها، تظهر مريم كنموذج الكنيسة المثاليّ. بالفعل، إنّ الكنيسة هي أيضاً أمّاً ووسيطة مع أنّها على مستوى أدنى * في العهد القديم، يحفظ تابوت الععهد في قدّيس القدّيسين وجود يهوه الغامض. كان هذا الوجود كنز الأمّة المختارة العظيم. كانت هنا فخره؛ وأيضاً قوّته. وكانت تستند على هذه القوّة في الأوقات الصّعبة. مع هذا، على مرحلتين إثنتين، في السّير الّلوقانيّة( لو١ ٣٥٤٣)، إقتُرِحَ لنا رؤية مريم تابوت عهد جديد، عهد النّعمّة، والكنيسة. من جهة أخرى، تستحق مريم، بما أنّها متّحدة دون فراق ليسوع، لقب تابوت العهد هذا. مريم، تابوت عهد المسيحيّن، هي مصدر حياتهم المخبّئة ولجوءهم الكبير، خاصّة في ساعة الأزمات. لقد أُظهِرَ لنا كيف مريم، هي نفسها في الكنيسة إذ ممتلئة نعمة، هي فوق الكنيسة، كأمّ فوق ابنها. لأنّ مريم، من خلال طاعتها الكاملة الّتي خلقت هذه الوحدة الخارجة عن المألوف مع الله الثّالوث، تتعدّى الكنيسة بضخامة. هذا بالتّحديد ما يجعل الكنيسة تتضرّع باستمرار وساطة مريم. . مريم هي مثال الكنيسة الكامل. بكونها شبيهةً أكثر فأكثر لمريم تحقّق الكنيسة أكثر فأكثر نيّة مؤسّسها :" كما أنّكَ أنتَ أيّها الآب فيّ وأنا فيكَ ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا حتّى يؤمن العالم أنّكَ أنتَ أرسلتني. يا أبتِ إنّ الّذين أعطيتني أُريدُ أن يكونوا معي حيث أنا ليروا مجدي الّذي أعطيتني لأنّكَ أحببتني قبل إنشاء العالم"(يو١٧ ٢٢-٢٤).

مريم،المساعدة المخلّصة

بالنّسبة لنا، شاركت مريم في آلآم المسيح، مخلّص البشريّة. لقد دام هذا العذاب ثلاث وثلاثين سنة * متّحدة مع روح الحكمة، عرفت مريم، منذ تكوين الطّفل فيها، ما هو مستقبل المخلّص المحفوظ له. وكلّ هذا من أجلنا،البشر : لأجلنا، الحزن لجعل يوسف يتألّم الّذي لم يكن بعد على علم بالتّكوين البتولي عندما رجعت مريم من عند أليصابات وبدأ حبلها يظهر ؛ من أجلنا، الولادة في مغارة فقيرة ؛ لأجلنا نبوة سمعان الّتي غرزت الرّمح في الجرح،تضرم بعمق جرح السّيف؛ لأجلنا، الهروب لبلاد غريبة؛ لأجلنا،هموم كلّ الحياة... وبلغ ذروته على قدمي الصّليب. إذا لم يتحدّث قط الإنجيلي القدّيس يوحنا عن عذاب مريم في سيرة الآلآم، فهي موجودة بوضوح في الإعلان عن عودة عاجلة يتكلّم عنها يسوع للرّسل أثناء عشائه الأخير :"المرأة حين تلد تحزنُ لأنّ ساعتها قد أتت لكنّها متى ولدت الطّفل لا تعود تتذكّر شدّتها من أجل الفرح لأنّه قد وُلِدَ إنسان في العالم "(يو١٦ ٢١). في فم يسوع، هناك حقّاً مشاركة ساعة مريم وساعته هو الّتي يذكرها في عرس قانا. المساعدة المخلّصة هي هذا التّعاون لتخالص الأرض، أيّ من نوع بشري، لخلاصها من عبوديّة الخطيئة والموت. مريم، من خلال عذابها وتضحيتها، شاركت في خلاص البشريّة من خلال المسيح. هذا ما تعبّر عنه رؤيا القدّيس يوحنا بإلحاح :" وظهرت في السّماء آية عظيمة امراة مُلتحِفَة بالشّمس وتحت قدميها القمر وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً

وهي حبلى تصيح وتتمخّض وتتوجّع لتلِد. * رؤ١٢ ١-٢. حاشية : من الخطأ الإعتبار أنّ هاتين الآيتين لا تشيران لمريم العذراء، بنفس الطّريقة من الخطأ الإعتبار أنّ هاتين الآيتين لا تشيران إلاّ لمريم العذراء. إنّ رؤيا يوحنا هو من أصعب نصوص كلّ العهد الجديد. بالفعل، إنّ الرّؤيويّة هي شيئاً مختلفاً تماماً من حدث تاريخي. لا نستطيع الشّرح بلياقة رؤ١٢ إذا لم نعترف من البداية أنّ الكاتب قد رأى وأسّس في رؤية مميّزة حقائق متّصلة طبعاً باطنيّاً، لكن مختلفة كليّاً. من هنا أسّس معاً ولادة يسوع الجسديّة في بيت لحم وولادته المجازيّة على الصّليب، ممّا يسمح له بالحديث عن آلام الولادة الشّديدة. لكنّ المرأة المكلّلة بالنّجوم الّتي ولدت المسيح هي أيضاً تمثيل شعب الله، وبالأخصّ صهيون مثاليّة الأنبياء كما يرينا مرجع رؤ١٢ ٥ إلى أش٦٦ ٧ الواضح جدّاً هيث تولد صهيون للشّعب المسيحي. " إنّ الّذي يُفاجئ ربّما أكثر في سيرة الرّؤيا، هو أنّ يوحنا، عوضاً عن وصف آلآم المسيح مباشرة ، لا يتحدّث إلاّ عن شفقة أمّه المعذّبة لتلد. كلّ ما يحدث كما لو أنّ آلآم يسوع وشفقة أمّه لا يشكّلان إلاّ واحدا.ً نجد نفس الحدث في نبؤة سمعان. طبعاً، في كلا الحالتين، يبقى يسوع مخلّص البشر الوحيد. وفي كلا الحالتين، تبقى عذابات أمّه غير منفصلة عن عذاباته الخاصّة المخلّصة. مخلّصة ومساعدة مخلّصة : آدم جديد وحواء جديدة، لخلاص البشريّة.

مريم، ملكة الرّسل والكهنوت

بعد صعود سيّدنا، رجع الرّسل إلى أورشليم (٠٠٠) ولمّا دخلوا صعدوا إلى العليّة الّتى كانوا مقيمين فيها بطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس وفيلبس وتوما زبرتلماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيورويهوذا أخو يعقوب. هؤلاء كلّهم كانوا مواظبين على الصّلاة بنفس واحدة مع (٠٠٠) مريم أمّ يسوع(ٲع١ ١٢-١٤) .
في هذا الوقت،لم يحلّ بعد الرّوح القدس على الرّسل الّذي سيعطيهم قوّة إ علان ملكوت الله ، حتّى الشّهادة، تبشيرالإنجيل حتّى أقاصي الأرض، والشّهادة بموت وقيامة المسيح.

لقد عُيّن ماتيّا لتوّ خلفاً ليهوذا. إنّهم هنا جميع الإثني عشر مع مريم، أمّ يسوع، أمّ الكنيسة. تصلّي مريم معهم في الصّالة العليا. هي كأمّ تمسك يد ولدها الصّغير لمنعه من الوقوع، وأذية نفسه. وهذا الولد هو الكنيسة، جسد المسيح السّرّي. إذ من المستحيل الإستمرار بالمسيح، إذا لم تُقوّ النّعمة بمساعدة مريم المليئة نعمة. والمسؤول عن مهمّة قيادة هذا الولد، عن إمساك يده الأخرى نوعاً ما، هو أيضاً هنا : بطرس، البابا الأوّل. قبل بضعة أيّام، ذكّريسوع الرّسل ما علّمهم إيّاه : ولمّا حلّ الخمسين كانوا كلّهم معا Pentecôteً في مكان واحد، فحدث بغتتً صوت من السّماء كصوت ريح شديدة تعصف وملأ كلّ البيت الّذي كانوا جالسين فيه وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنّها من نار فاستقرّت على كلّ واحد منهم. فامتلأوا كلّهم بالرّوح القدس وطفقوا يتكلّمون بلغّات أخرى كما آتاهم الرّوح أن ينطقوا(ٲع٢ ١-٤). مريم، بنت الله، أمّ الله، زوجة الله، هي هنا، حاضرة، بين الرّسل. هي، العذراء العفيفة، مكلّلة من انتشار هذا الرّوح. هي الملكة وسط الرّسل. آه، كم هو طيّب التّجمّع في صدر ملكة ناعمة، أمّ حنونة ! آه، كم هوعظيم وقدوس أن نوكّل إليها تبشيرنا، لها، ملكة الكهنوت ! آه، كم يحلو للثّالوث القدّوس أن يُصلّى من قبلها، ومنح من خلال وساطتها النّعم الإلهيّة لرسلها، لكهنتها، ولجميع أولادها !

عيد الصّعود

كانت نهاية حياة العذراء حياة مجد وفوريّة، أيّ أنّ الله أرسل ملائكته لرفعها، جسداً وروحاً، إلى مجد السّماء. توجد براهين عقائديّة لهذا الحدث : لا يمكن للّتي حملت الحيّ أن تعرف الموت، والّتي لم تُلطّخ في بشريّتها أن تعرف تدنيس القبر. بالإضافة إلى ذلك كانت مريم شبيهة حواء قبل الخطيئة. مصانة من الخطيئة، كان واجب حماية مريم العذراء ايضاً من العذاب، أيّ من فساد الموت. من خلال صعود العذراء، يعلّم الله للمؤمنين الحقيقة الّتي تشجّعنا للإيمان بقيامة الجسد والمكافأة بحياة أبديّة وطوباويّة للصّالحين. وهذا أيضاً لكي نؤمن أنّ في السّماء يوجد قلب أمّ البشر، نابضاً بحبّ قلق لنا جميعاً، صالحين وخطأة، راغبةً جعلنا جميعاً قربها في البلاد السّعيدة، للأبد.

تعود أول إشارات عن عيد احتفال موت وتمجيد مريم من القرن الخامس، من معبد كرم الزّيتون المريمي * هذا لا يعني من جهة أخرى أنّ العبادة انتظرت القرن الخامس للبدء. . في القرن السّادس عشر، قُبِلَ عيد ١٥ آب بالإجماع في أورشليم وانتُشِرَ في كلّ أنحاء إمبراطوريّة الشّرق بمرسوم من الإمبراطور، ودُعِيَ "رقاد العذراء"أو" الرّاحة" * من بين جميع أعياد العذراء، يبدو أنّ فرنسيس كان يفضّل عيد الصّعود. عادة ، كان يتحضّر بصوم خاص يدوم ٤٠ يوماً. من خلاله، تستطيع إعطائه وقف الصّوم الّذي يُعطى "لإخوة وأخوات التّوبة" في هذا اليوم،كما في الأعياد الكبرى،كلّ مرّة يقع هذا العيد يوم صوم المتوقّع من القاعدة. إذ في ذلك اليوم يُترَكُ كلّ شيء مقابل الفرح المشرّف المعطى لمريم. . بالفعل، تتردّد النّصوص الأولى بين عبارتي قيامة وصعود. أخيراً،أعلن حبرنا الأعظم، البابا بيوس الثّاني عشر، سنة ١٩٥٠ عقيدة صعود الطّوباويّة مريم العذراء : "إنّ مريم العذراء، المحميّة من قبل الله من كلّ إصابة للخطيئة الأصليّة، وبعد إتمام سيرة حياتها على الأرض، ارتُفِعَت جسداً وروحاً إلى مجد السّماء، ومُجّدَت من قبل الله كملكة الكون، لتكون هكذا أكثر شبيهةً كليّاً لإبنها، سيّد الأسياد، المنتصر على الخطيئة والموت." Vierge Marie Assomption

محبّة فرنسيس المفضّلة لمريم العذراء

تشهد جميع سير حياة فرنسيس عن الإجلال المكثّف وحتّى الرّائع لفرنسيس تجاه مريم. سيدخلُ فرنسيس، الرّجل البسيط، أيّ دون استناد إلى العلم المستقاة من الكتب، من خلال الصّلاة والتّأمّل قلب أسرار مريم. إذاً لا يجب انتظار وجود تقريراً عن العقيدة المريميّة عند فرنسيس مصوغة بوضوح على طريقة الدّراسات التّيولوجيّة، وأكثر أقلّ وجود دراسة شاملة أو حتّى منظّم للمشاكل. لهذا، فَهِمَ فرنسيس مكان العذراء البارز في مخطط الله الخلاصي. تنقل لنا كلماته وكتباته ثمار صلاته تحت صيغة روحيّة وشخصيّة، مميّزة وفريدة لدرجة أنّ حتّى اليوم تستحقّ هذه النّصوص انتباهاً خاصّاً من قبلنا. * أهمّ الأسطر( لكي لا نقل جميعها) الّتي تلي مستخرجة من العمل المنشر من قبل Editions Franciscaines 1958, Thèmes spirituels, P. Kajetan Esser, ofm,p.149 à 178.

مريم والمسيح

"كان يحبّ أمّ المسيح يسوع حبّاً لا يُوصف، لأنّها هي الّتي جعلت من ربّ المجد أخاً لنا "(٢ش ١٩٨)،" ومن خلالها حصلنا على الرّحمة"(س م ٩ ٣).
تجعلنا هذه العبارات البسيطة نكتشف أساس الإجلال الأكثر عمقاً الّذي يكنّه فرنسيس لمريم.

كان تجسّد ابن الله أساس كلّ حياته الدّينيّة، وطيلة سيرة حياته، سعى بعناية لمرافقة كليّاً آثارالكلمة الّتي أصبحت جسداً. إذاً كان يكنّ طبيعيّاً حبّا شاكراً لهذه المرأة الفريدة، الّتي جعلت من الله في متناول وضعنا البشري، والّتي أكثر من هذا أيضاً،" جعلت من ربّ المجد أخاً لنا" * تُظهر هذه العبارة تحديداً أنّ القدّيس فرنسيس قد علّم إنجازاً ومفترقاً في لاهوت كنيسة العصر الوسيط. تبعاً لكلّ لاهوت سابق، يرى أيضاً في المسيح ال"sitatsejam sunimoD "(إله كلّ الجلالة)، السّيّد الّذي يسيطر على كلّ الخليقة، كما هو ممثّلاً في"inimoD satsejam" من خلال الفنّ القديم وفن العصر الوسيط الأعلى. لكنّ فرنسيس يعلم أيضاً – وهذا ما يجعله يتعلّق بأسلوب الّلاهوت الجديدالمسيحي الرّئيسي- كمن خلال الإنجيل(متى١٢ ٥٠ ٢٥ ٤٠-٤٥) أصبح ابن الله من خلال تجسده أخ جميع الخطأة(١ق٢٢). تسمح له أمومة مريم الإلهيّة الإمكانيّة بتوحيد هذهين المظهرين. . من هنا علاقة مريم الحميمة لعمل خلاصنا : نحن نُدين، لها أيضاً، بأنّها وجدت نعمةً قرب الله.

يُحدثُ تجسّد ابن الإنسان من خلال مريم عند فرنسيس فعل نعمة. بكلّ فرح، يشكرُ ويمجّد الآب السّماويّ لمنح مريم نعمة الأمومة الإلهيّة. يرى في هذه النّعمة- وفيها فقط- السّبب الأوّل والأهمّ لتمجيدها وإجلالها : " إسمعوا يا إخوتي، إن كانت العذراء الطّوباويّة مكرّمة إلى هذا الحدّ، كما يليق بها، لأنّها حملته في أحشائها الكليّة القداسة... "(٣ ر ر٢١). يجب التّذكير أنّ في عهد فرنسيس، كانت بدعة المانويّة، بموجب أساسه الثّنائيّ، تنكر تجسّد ابن الله ؛ وفي نفس الوقت، تفني مشاركة مريم في عمل الخلاص. أيضاًَ، لكي يُتَرجَم إيمانها المريمي جيّداً فكرها مخالفاً لهذه الأخطاء، لا يكفّ فرنسيس عن الذّكر تكراراً، دون غموض، أمومة العذراء الحقيقيّة : " إنّ الآب العليّ بشر، من السّماء، بكلمته هذا، الجزيل الكرامة، والجزيل القداسو والتّمجيد، بواسطة ملاكه، القدّيس جبرائيل، في أحشاء القدّيسة المجيدة العذراء مريم ؛ ومن أحشائها أخذ الكلمة جسد إنسانيّتنا وهشاشتنا، الحقيقيّ " (١ ر٤).
في تحيّة الطّوباويّة مريم العذراء، يُمجّد فرنسيس أمومة مريم الإلهيّة الفريدة من خلال تسبيحة حقيقيّة : يمجّدها بعبارات واقعيّة وإيحائيّة : "قصر وخباء" ، بيت الله وثوبه" ،" أُمّة الله وأمّه" * (De S. Francisci cultu Angelorum et Sanctorum, dans Arch. Fra جمع الأخ nepmaL .W mfo جميع الألقاب الّتي يكرّم بها فرنسيس ،Hist 20 (1927), p.12)مريم ووصل إلى هذه النّتيجة المدهشة الّتي لم يستعملها أبداً على مرحلتين متتاليتين. يرى علامة ابتكارشعريّة ومحبّة فرنسيس التّأليفيّة. . تُظهر هذه التّعابير جيّداً العناية لحماية في عهد المسيحيّة هذا، المهدّد من بدعة المانويّين، صورة مريم الفريدة.

Vierge Marie et François d'Assise لنحاول الآن إبرازما الّذي، في أوّل مظهرمن تقوى فرنسيس المريمي، يحافظ على معنى مقبول لكلّ الأزمان. لنذكر أوّلاً هذا : لا يرى فرنسيس أبداً مريم منفردة، منفصلة عن سرّ الأمومة الإلهيّة هذا الّذي وحده يؤسّس دوره في المسيحيّة. الأهم للقدّيس فرنسيس، في إجلاله تجاه مريم، هو إبراز واقعيّاً سرّ المسيح الإنسان- الله. بالتّالي نستطيع التّأكيد بذكرنا لهذا الحدّ أمومة مريم الجسديّة،أنّ فرنسيس قد حافظ في الحياة المسيحيّة، في التّقوى وفي التّقشّف، صورة واضحة، حيويّة ومحرّكة ليسوع في التّاريخ، الغير منفصلة عن المسيح المقيم والصّاعد إلى السّموات، كما تشهد الأناجيل. من هنا إنعدام، في عبادة فرنسيس المريمي، لكلّ تجرّد، لكلّ علم تصوّريّ. ينطلق دائماً من الواقع، من الملموس، من الحدث التّاريخي، وإذاً من الرّؤيا الإلهيّة ؛ إذ تظهر تلك الأخيرة في الأحداث الملموسة والواقعيّة من تاريخ الخلاص. من هنا تحديداً على إيمان فرنسيس المريمي طبع كلّ مستقبل الكنيسة بطريقة حيّة ومستمرّة.

مريم والثّالوث الأقدس

إنّ فرنسيس واعٍ جدّاً أنّ في حياة مريم، كلّ شيء يأتي من الله. لا يمجّد فرنسيس أبداً مريم دون التّتمجيد في الوقت نفسه الإله الواحد والثّالوث الّتي اختارها بالأفضليّة بين الجميع وأنعم عليهل بالنّعم خارج كلّ نطاق.لا يرى فرنسيس أبداً ولا يتأمّل مريم وحدها، لنفسها، وليس فقط في علاقاتها الخاصّة مع المسيح؛ يتخطّى دائماً هذا المخطّط ليعتبرها في علاقاتها الواقعيّة والحيّة مع الثّالوث : " السّلام عليكِ، يا سيّدة، يا ملكة قدّيسة، يا مريم والدة الله القدّيسةن أيّتها العذراء الّتي صارت كنيسة، واختارها الآب السّماويّ الكلّي القداسة وكرّسها، هو وابنه الحبيب الكلّيّ القداسة، والرّوح القدس البارقليطن يا من كان فيها ولا يزال كلّ ملء النّعمّة، وكلّ خير(ت م ١-٣). نلاحظ مرّة أخرى أنّ جميع صفات مريم الّتي يمدحها فرنسيس تعيدنا إلى سرّ حياته المركزي : الأمومة الإلهيّة ؛ لكن هذه الأمومة الإلهيّة هي، في العذراء المتواضعة، عمل الله- الثّالوث. حتّى بتولتها الدّائمة مرتكزة على الأمومة الإلهيّة. تجعل بتولة مريم منها" الإناء الطّاهر جدّا" حيث يستطيع الله صبّ بكلّ كمال نعمته لتحقيق فيها سرّ التّجسّد العظيم. ليست إذاً البتولة قيمة نفسيّةً * ألا نجازف هنا، فعلاً، بمزج البتولة والعقر إذا جعلنا من البتولة قيمةً داتيّة ؟ لكنّها قابليّة طاهرة للعمل الإلهي الّذي يخصبها بخصوبة بشريّة غير مفهومة. من هنا، "هي مكرّسة من الله مع ابنه الحبيب الكلّيّ القداسة والرّوح القدس البارقليط". لا يكفّ عمل الله- الثّالوث بالحفاظ على هذه الخصوبة : "يا من كان فيها ولايزال كلّ ملء النّعمّة وكلّ خير". Sainte Marie de la Portioncule

كان يعمل فرنسيس على إتلاء تسبيحة من تأليفه في كلّ ساعة من ساعات القداديس. تعبّر هذه الأخيرة بوضوح أكثر عن العلاقات الحيّة بين مريم والثّالوث : " أيّتها القدّيسة، مريم العذراء، لم يُولدن في العالم، مثلك بين النّساء، يا بنت العليّن الملك السمى، الآب السّماويّ وامّتهن يا أمّ ربّنا يسوع المسيح الكلّيّ القداسة، يا عروس الرّوح القدس." هنا أيضاً، هو عمل النّعمة الإلهيّ في مريم الّتي مُجّدت بصفات مطابقة. الصّفتان الأولتان واضحتان ولا تشكّلان أيّة صعوبة : سنجدها مستعملة غالبا في تقليد الكنيسة السّابقة. لكن علينا التّوقف أكثر على الصّفة الثّالثة : "عروس الرّوح القدس"، كاستعمال متداول اليوم * ظظ لقد درس nepmaL .W عمل اليسوعيilgassaP .C(1855 selpaN ,I. mot)"utpecnoc sinigriV repmes earapieD otaucammi De"حيث نجد لائحة بستّة ماية لقباً مكرّساً لمريم من قبل كتّاب كهنوت الشّرق والغرب. مع هذا، تحديداً، لم يجد صفة مدح للمناقشة. إفترض إذاً، مبدئيّاً أنّ القدّيس فرنسيس كان أوّل من استعملها. . يدخل فرنسيس، حتّى إلى معناها الأكثر عمقاً، إلى جميع إثباتات الكنيسة حول مريم. ثمّ، في صلاته يُترجم بوضوح ما قيل في رسالة الملاك جبرائيل بشكل غامض. أصبحت مريم أمّا من خلال عمليّة الرّوح القدس. لأنّها، عذراء، كشفت لهذا العمل كليّاً، أو كما يقول القدّيس فرنسيس، "بكلّ طهارة"، أصبحت، بما أنّها عروس الرّوح القدس،" أمّ الإبن". هنا خاصّةً، يظهر لنا عمق الحدس حتّى إلى قلب السّر عند القدّيس فرنسيس كثمار التّأمّل. بالفعل، على حدّ قول شيلانو،" كان تواضع الله في تجسّده يأسره إلى درجة أنّه كان بالكاد يفكّر بشيء آخر. لم يكن يملّ أبداً بالتّفكير بهذا السّرّ. كان بإستطاعته تكريس ليالٍ بكاملها للصّلاةن لمجد الله والعذراء المجيدة، أمّه"(١ ش ٢٤).

مريم ومخطّط الله

لأّنها أمّ يسوع، كان يروق لفرنسيس ذكر مريم" كأمّ كلّ طيبة"(س م ٢ ٨).
لهذا السّبب أقام قرب البرتينكول معبداً مكرّساً لأمّ الله ؛ لأنّه ينتظر كلّ شيء من خلال طيبتها : " كان يضع فيها، بعد المسيح، ثقةً خاصّة جدّا (١ ش ٢١).
هنا، في معبد البورنتيكولا، وحسب تعبير القدّيس بونا فنتورا، خُصِبَ وولد روح الحقيقة الإنجيليّة من خلال إستحقاقات أمّ الرّحمّة. يُبرِزُ القدّيس هذا الإدّعاء السّرّي ناقلاً إيّاه إلى سرّ التّجسّد، حيث" حبلت مريم بالكلمة المليئة نعمة وحقيقة" (س م ٣ ١ ،س ص ٧ ٣) . أبداص لما دخلنا في العمق في محبّو القدّيس فرنسيس وإجلاله تجاه مريم. لكنّ لا تتحدّد هذه العبادة المريميّة عنده كصلوات حارّة وأناشيد تسابيح ؛ ينطلق في اهتمام وثيق لجعل نفسه، بالإجماع، موقف مريم تجاه كلمة الله، لجسد الله. يبدأ أوّلاً من فكرة : عكس مريم، على الإنسان تقبّل كلمة الله فيه، إستقبالها بإيمان مطيع، والدّخول كلّيّاً فيها. ثمّ، على هذه الفكرة أن تصل على ولادة : دائماً مثل مريم، على الإنسان، في طاعة إيمانه، ولادة كلمة الله، إعطائها شكلاً وروحاً. يدوّن القدّيس بونافنتورا نوعاً من اتّجاه مماثل لسرّ تجسّد الكلمة في مريم وفي فرنسيس. لما كان باستطاعته العثور على لغة أكثر فرحاً وأكثر تأثيراً ليعبّرعن التّوجيه المريمي عن حياة الفقير الإنجيليّة.

Vierge Marie et François d'Assiseلا يُدخِلُ القدّيس بونافنتورا، في سيرة حياة مؤسّس رهبنته، أفكاراً تيولوجيّة غريبة. يكفي إعادة قراءة رسالة فرنسيس لجميع مؤمني العالم : يكشف فكرته بإرتجال نادر. في الأسطر الأولى(١ ر م(المناشدة الثّانية))، يصف ولادة الكلمة الإلهيّ من أحشاء القدّيسة المجيدة مريم العذراء. لكن لا تتحقّق هذه الولادة الإلهيّة فقط في مريم ؛ هي تسعى للتّكاثر سرّيّاً في قلب المؤمنين. أبعد أكثر في الرّسالة، يُترجم فرنسيس هذا السّرّ بمختصر مؤثّر، بلغته الخّاصّة : " ونحن له أمّهات، عندما نحمله في قلبنا وجسدنا، بحبّ وضمير نقيّ، وصادق، وعندما نلده بالعمل المقدّس، الّذي ينبغي أن يتلألأ، قدوة للآخرين"(١ ر م ). بإمكاننا الإعتقاد أوّلاً أن فرنسيس يتحدّد هنا لفكرة تقشّفيّة بالأحرى لهذا السّرّ. لكن في نفس المبدأ، نجد تأكيداً آخراً، متّصل بشدّة بالّتي تخصّ الأمومو الإلهيّة : " إنّنا عرائس، عندما تتّحد النّفس المخلصة، بواسطة الرّوح القدس، بيسوع المسيح". يستمدّ سرّ الأمومة الإلهيّة ويتجذّر في سرّ الإلفة الزّوجيّة المتوازية المصاغة من قبل الرّوح القدس بين المسيح والنّفس المخلصة * يعلّمنا يسوع بقوّة : "هم أمّي وإخوتي. لأنّ كلّ من يعمل مشيئة أبي الّذي في السّموات هو أخي وأختي وأمّي." متى١٢ ٤٩-٥٠ . . إذاً لا تتطوّر هذه الأمومة فقط من خلال جهود، وارتجالات تقشّفيّة ؛ هي أيضاً وأوّلاً هبة محبّة الله الفوطبيعيّة في الرّوح القدس.

ليست ولادة المسيح في قلب المؤمنين إلاّ مظهراً لتلك الأمومة. بالفعل، بالنّسبة لفرنسيس، من خلال هذه الحياة المسيحيّة، أيّ من خلال ممارسة الخير، النّور والمثل، للقريب، يجب ولادة المسيح عند الآخرين. هنا، تؤدّي مهمّة الأمومة لحياة مسيحيّة شخصيّة في الكنيسة الكاملة لتولّد الحياة. يتحدّث فرنسيس أحياناً عن مهمّة المؤمن الأموميّة هذه في الكنيسة ؛ هكذا كان يُطبّق كلمة الإنجيل لإخوته البسطاء والعاميّين : " العاقر ولدت سبعة"(١ صم٢ ٥)، وكان يعلّق بالتّالي : المرأة العاقر، هي الأخ المسكين الّتي ليست مهمّته إنجاب أولاد للكنيسة : لكن سنرى يوم الدّينونة، أنّه أصبح أمّ أولاد كثر، إذ إنّ الله أعطاه لمجده جميع الّذين هداهم للمسيح من خلال صلواته الّتي لا يراها أحد"(٢ ش ١٦٤).

يمتدّد ما تحقّق في أمومة مريم لخلاص العالم أيضاً ودائماً من خلال عمل روح القدس الفوطبيعيّ في قلب المؤمنين. أليس هنا، في العمقن سرّ الكنيسة نفسها، الّذي يشارك فيه المؤمنون ؟
هذه النّعمة الّتي يتأمّلها فرنسيس في مريم، يعلم بأنّه يشارك أيضاً. ويعلم أيضاً أنّ هذا العمل نفسه عليه أن يتحقّق من خلاله وعبر جهوده في الكنيسة. أمّ المسيح، هذا أوّلاً وخصوصاً ما تمثّله مريم بالنّسبة له ؛ لهذا السّبب يحبّها حبّاً لا يوصف. أمومو إلاهيّة، هذا هو السّرّ الّذي تبصره عيناه في المؤمنين" الّذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها"(لو٨ ٢١) ويشاركون هكذا في عمل أمومة أمّنا الكنيسة. عند وصلنا إلى هذه النقطة، نستطيع تلخيص مثال فرنسيس المريمي بهذه العبارة : العيش في الكنيسة كما عاشت مريم.

مريم العذراء، أمّة الله المتواضعة

البند٩.

كان يكنّ فرنسيس حبّ إجلال لمريم العذراء، أمّة الله المتواضعة، الحاضرة دائماً لكلمته وندائه ؛ أرادها كحامية عائلته ومحاميها * ٢ش ١٩٨. . سيشهد الفرنسسيون العلمانيون حبّاً متيّماً متشبّهين بجهوزيّتها الكاملة، ومن خلال صلاة واثقة ومت يقّظة.

ستعمل الفقرة الأخيرة من هذا الفصل على عدم تكرار ما عُرِضَ سابقاً. أيضاً، كما اتّسع مظهر جهوزيّة العذراء بشكل بارز في الأعلى من هذا الفصل( المراجعة أيضاً القرار الطّوعي في البشارة)، ولعدم النّسيان، سنلحّ أوّلاً على إحدى أشكال لاهوت فرنسيس المريمي الواقعي، يعني فقر العذراء. سنلاحظ من هنا أنّ لاهوت فرنسيس المريمي ليس في حياته كجسم غريب ومنفرد. خارجيّاً وداخليّاً، ليس إلاّ واحداً، بوحدة متّصلةن مع مثاله لتشبيه المسيح، خاصّة في ما يتعلّق الفقر العالي جدّاً. سنكتشف لاحقاً لماذا أراد فرنسيس إختيار مريم العذراء كحامية عائلته ومحاميها. أخيراً، سنتعمّق كيف نشهد لمريم، شخصيّاً وجماعيّاً، حبّنا لها.

مريم، السّيّدة الفقيرة

على حدّ قول شيلانو، كان تواضع الله في تجسّده يأسر فرنسيس إلى درجة أنّه بالكاد يستطيع التّفكير بشيء آخر(١ش ٨٤). لا يملّ ابداً بالتّفكير بهذا السّرّ. عمل المحبّة الإلهيّة، المرحّب من مريم بقلب مليء بالإيمان، بواسطة نعم دون تردّد،يرفع، في نظر فرنسيس، أمّ الله فوق جميع المخلوقات. فكان يغنّي هذه" السّيّدة القدّيسة، هذه الملكة القدّيسة جدّاً"، كما "سيّدة العالم"(س م ٢ ٨).
لكنّ فرنسيس يذكر بشكل قويّ لقباً آخراً من النّبالة لمريم، ثمر الأوّل : هي بالنّسبة له" السّيّدة الفقيرة"(٢ ش ٨٣). لكن هنا أيضاً، ليس لهذا الّلقب أيّة قيمة تلقائيّة ومنفردة : يرى في فقر مريم

Vierge Marieإجابة واقعيّة لإجابة المسيح. هي علامة إتّحاد كاملة ومرادة من مريم لمصير ابنها. إزاء فقر المسيح المنقذ هذا، حصلت مريم وتلاميذ يسوع على حصّتهم ؛ بدوره يريد فرنسيس المشاركة مع جميع الّذين يريدون اتّباعه. لذا، عندما يفرض من إخوته حياة فقر وتسوّل، يذكّرهم بمثال المسيح الّذي كان فقيراً وضيفاً، وعاش من الإحسان، هو، والعذراء الطّوباويّة، وتلاميذه(١ ق٩ ٥). لذا كان يدعو الفقر ملك كلّ الفضائل، لأنّه كان يشعّ بإشراق عند ملك الملوك وعند أمّه، ملكتنا(س م ٧ ١) . كان يرى فرنسيس في مريم تلك الّتي تحبّ فوق كلّ شيء حياة الفقر الإنجيليّة. برأيه، كانت تهتمّ أكثر لمثل هذه الحياة ككلّ لمحة تمجيد خارجيّة. ذات يوم، حُرِجَ ألأخ بيار دو كاتان، نائب الرّهبنة، إذ رأى توافداً كبيراً لإخوة غرباء لمعبد القدّيسة مريم في البورنتيونكول، فحُرِجَ لإطعام كلّ هذا الجمع إذ لم تكف الحسنات. فقال عندها لفرنسيس :" أبتي، لا أدري ما العمل. تتوافد الجموع من كلّ الجهّات، وليس لديّ ما يكفي لحاجاتهم. أعطني الإذن، أرجوكَ، لإستلام وادّخار قسماً من خيرات المبتدئين الّذين يدخلون إلينا، فأستطيع استعماله عندما أحتاج ". أجاب فرنسيس :" أخي العزيز، أبعِد عنكَ هذه الشّفقة المزعومة : إكراماً لإنسان، ستخطي ضدّ الإنجيل !" " ما الّذي عليّ فعله ؟" أجاب الأخ بيار دو كاتان. فقال فرنسيس :" إذا لم تستطع تأمين حاجات الإخوة، جرّد مذبح العذراء وألغِ الزّخرفات. صدّقني : ستكون أكثر سعيدة لرؤية إنجيل ابنها معروضاً ومذبحها مجرّداً من أن ترى مذبحها مزيّناً وابنها مهان. سيرسل الله حتماً أحداً ليعيد لأمّه ما أعارتنا إيّاه"(٢ ش ٦٧). تُظهرُ لنا هذه السّيرة كم كان فرنسيس جادّاً بخصوص التّشبيه لفقر العذراء، ولكن كم كان هذا الفقر يتمحور في حياة مطابقة كليّاً للإنجيل.

مريم، حاميةالرّهبنة

يروي القدّيس بونافنتورا أنّ فرنسيس، في أولى سنواته بعد اهتدائه، كان يُقيم بسرور في البورنتيونكول، وهي كنيسة مكرّسة للعذراء أمّ الله، وأنّه في صلواته كان يرجوها بإلحاح أن تكون له" محاميه "المليئة رأفة(س م ٣ ١). لم يكن يريدها له وحده، بل أيضاً لإخوته كما يقوله لنا جيّداً توماس دو شيلانو :" لكن لدينا سبب لنكون سعداء، لأنّه أراد اختيارها كشفيعة الرّهبنة * أدفوكاتا، أيّ في نفس الوقت حامية ومحامية، تساعد وتدافع. يوجد هذا الدّعاء في anigéR evlaS( القرن الحادي عشر).

الإحتضان تحت جناحيها، لكي تحتضنهم وتحميهم حتّى النّهاية، الإخوة الّذين عليه تركهم يوماً ما "(٢ ش ١٩٨).
بالنّسّبة لفرنسيس والإخوة الأصاغر، الّذين تخلّوا عن كلّ خيرات هذا العالم، إنّ عبارة محامية لا تحمل إلاّ معناً روحيّاً واحداً * ق ق في عصر فرنسيس وسابقاً، يستنجد بعض الرّهبنات المالكات لخيرات كبيرة لمحام يمثّلها أمام المحاكم العلمانيّة.على المحامي حمايتهم وعند الحاجة الدّفاع عنهم ضدّ كلّ تعدّي واغتصابات خارجيّة. كانت أكثر من مرّة، على مدى العصور، فرصة للتّعدّي. لهذا تخلّى السّستريسيون مبدئيّاً عن المحامين( رغم أنّهم ندموا أحياناً) واختاروا مريم كمحامية لرهبنتهم. . على مريم تقديم الإخوة أمام الله، الإهتمام بهم وحمايتهم في جميع الإنقلابات وأزمات وجودهم. زد على حماية الرّهبنة، بالنّسبة لفرنسيس، وساطة مريم قرب الله الثّالوث. تُعبّر هذه الوساطة على الصّعيد فعل النّعم كما على صعيد مغفرة الخطايا. Vierge Marie

.إذاً يتوجّه فرنسيس إليها، "المجيدة، الدّائمة البتوليّةوالكليّة طوبى القدّيسة مريم"، ليرجوها بكلّ تواضع، بحضورجميع الملائكة وجميع القدّيسين، لكي تساعده، هو وجميع إخوته الأصاغر،لشكر"الإله الأسمى، الأزلي والحيّ"،"كما يُرضيكَ"(١ق٢٣ ٦)،
لنعمه العظيمة، وعمله للخلاص. على رأس كلّ الكنيسة المنتصرة، لتتكرّم بتقديم بإسمنا فعل النّعم للثّالوث الأبدي.

يعترف فرنسيس أيضاً بكلّ خطاياه، خاصّةً نقوصه للحياة الإنجليّة المفروضة من القاعدة وخياناته في التّسبيح الإلهي، إلى" الكليّة الطوبى مريم الدّائمة البتوليّة". لنذكر أنّه يعترف بها لمريم العذراء بعد اعترافه بها لله الثّالوث وقبل أن يفعله لجميع القدّيسين الآخرين. يعمل بهذا الإعتراف لأنّه" لم يحفظ القانون الّذي وعد به الرّبّ، ولا الفرض، حسبما يقتضي القانون، سواء عن إهمال، أو من جرّاء مرضي، أو لأنّه جاهل وغير متعلّم"(٣ ر ر ٣٩).
بسبب هذه النّقوص خاصّةً تجاه الله يتوجّه بكلّ ثقة" لمحاميته"، لكي تحميه. تُعبّر هذه الطّلبة بكثير من العمق في التّعليق على الأبانا :
"... اغفر لنا ذنوبنا، برحمتكَ الّتي لا يُحيط بها تعبير، وبفضل آلام ابنكَ الحبيب، وباستحقاقات الكليّة الطّوباويّة، العذراء، وشفاعتها وجميع مختاريك".

لنشهد لمريم حبّاً عميقاً

يدعونا البند٩ من قاعدتنا للشّهادة بحبّ عميق لمريم العذراء. ترشدنا قاعدتنا، الّتي هي في الوقت نفسه، دائماً وجيزة، تطبيقيّة ومنفتحة، نحو طريقين واقعين : أوّلاً بتشبيهنا لجهوزيّة مريم لإلها ؛ ثمّ، من خلال صلاة واثقة ومنتبهة لمريم العذراء. إنّ شغور مريم الكامل هو حتماً أفضل تلخيص في الجواب الّذي قالته لحامل كلمة الله الثّالوث يوم البشارة : " أنا أمة الله فليكن لي بحسب قولك". من خلال نعم مريم، أصبحت جسديّاً أمّ الله. لكنّ هذا الحدث البيولوجي هو حقيقةً تيولوجي، لأنّه إنجاز محتوى العهد الرّوحي الأكثر عمقاً الّذي أراد اللهعقده مع إسرائيل. هذا ما يُبرزه الإنجيلي لوقا بشكل رائع في إعلان أليصابات : "طوبى للّتي آمنت(لو١ ٤٥) وفي جواب يسوع لإستجواب المرأة : " طوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها "(لو١١ ٢٨). من أفضل من مريم، آمنت بالكلمة وحفظتها ؟ سنجد في تصرّفات مريم نيّاتنا الكبيرة والخطيرة : مشيئة ابنها ، ليتمجّد اسم الله، ليأتي ملكوته، لتكن مشيئته في السّماء كذلك على الأرض. إنّ تكريس مريم هو الطّريق الأكثر أماناً وألأكثر قصيرة لتقاربنا واقعيّاً من المسيح. بتأمّلنا حياة مريم في جميع مراحلها، نتعلّم ما هو العيش للمسيح ومع المسيح، في الحياة اليوميّة، على مقربة لا تُبدي أيّ تمجيد، لكن تعرف مقربة داخليّة كاملة. بتأمّلنا وجود مريم، نضع أنفسنا في الظّلمة الّتي مفروضة لإيماننا chrétiens en Prière

مع ذلك، نتعلّم كيف نكون جاهزون دوماً، عندما يطلب يسوع فجأةً شيئاً منّا. تقودنا الصّلوات المريميّة الأكثر استعمالاً باستمرار في هذه المقربة الواقعيّة مع الله ومع كلّ سرّ الخلاص. لنذكر ثلاثاً فقط من هذه الصّلوات.

لا تتألّف السّلام عليك يا مريم، فقط في الطّلبة الأخيرة، إلاّ من كلمات من إلإنجيل المقدّس : سلام الملاك( السّلام عليك، ممتلئة نعمة، الرّبّ معكِ) وأيضاً كلمات أليصابات الرّائعة، الّتي ترينا في الوقت نفسه حقيقة العبادة المريميّة( مباركة أنتِ بين النّساء ومباركحة ثمرة بطنكِ). الطّلبة الأخيرة، الّتي مع المجمع أفسس الّديني تُعطي لمريم الّلقب المسيحي "لأمّ الله"، تصوغ أبسط ما ممكناً نيّة الميحيّ الخاطئ في الكنيسة : طلبة وساطة الآن ولساعة موتنا الّتي تقرّر كلّ شيء.

كذلك، لا تتخطّى دقّة التّبشير أبداً ما الّذي كُتِبَ في الإنجيل : الشّهادات الأولى الموجزة هي مسيحيّة رئيسيّة : إعلان التّجسّد، قبول العذراء، إنجاز التّجسّد نفسه. تجعلنا السّلام الثّلاث نمكث قرب الخليقة البشريّة الّتي تحقّقت في معجزة التّجسّد، ومن هنا دخولنا تقريبا في إشراق المعجزة. كلّ مسيحيّ يصلّي هكذا يعلم أنّ تجسّد الكلمة يخصّه هو أيضاً فوراً، وأنّه عليه اتحقيق فيه، إذا يريد حمل إسم مسيحيّاً.ً

أخيراً، الورديّة. طبعاً، هذه هي صلاة ليست دوماً سهلة ولا تهمّ كلّ فرد بنفس الطّريقة. تجرّ طريقة الصّلاة هذه كلّ تاريخ الخلاص، عرض أسرار حياة المسيح الواقعيّة : طفولته، نهاية حياته العلنيّة في الآلام، قيامته ونهايته، الّتي يُدخِلُ مريم أيضاً كمثال الكنيسة : عرض صلاة المسيح لآب، وأخيراً تمجيد الثّالوث الجديد دائماً ؛ الكلّ معرّف بجهر إيمان كامل. في تتابع السّلام المريمي ينفتح للمصلّي المتأمّل فسحة لا متناهية تقريباً لعالم الصّلاة، فسحة بالإنكان عبورها في كلّ الإتّجهات ؛ لكن، لكي لا نضيع، أُعطيت مريم كنقطة ارتكاز. ينفتح سرّ الثّالوث فيها لأوّل مرّة. ترافق بعدها الإله المتجسّد من المهد إلى العذاب، وفوق ذلك، للحياة الممجّدة؛ مريم، كلا أحد مثلها، مشاركة في مسلك يسوع حتّى صعودها الجسدي إلى السّماء الّتي أعُطيت لها، لها ألأولى بين المؤمنين الّذين سيتبعونها يوماً. لذا هي صلاة مؤلّفة من نصوص ومظاهر إنجيليّة بنقاء، والّتي ، لهذا السّبب، كانت موصية للمسيحيّن طيلة العصور، للصّلاة الجماعيّة كما للصّلاة الفرديّة.

أسئلة

أسئلة فحص المعارف

١) بنعمة مميّزة من الله، ودون أيّ استحقاق من قبل مريم، ولدت هذه الأخيرة دون لطخة، الحبل بلا دنس. رغم ذلك هناك أستحقاقات تعود للعذراء نفسها. بالفعل، طيلة سيرة حياتها، عاشت العذراء مريم تجهيزات، موافق عليها من الله، تجهيزات نحن مدعوّين لتأمّلها والتّشبيه بها. ما هي هذه التّجهيزات ؟

٢) سرّ القدّيسين، هو الذّهاب نحو يسوع مروراً بمريم إذ من المستحيل الإستمرار في المسيح إذا لم تقوّى بمساعدة مريمن المليئة نعمة. فهم فرنسيس، الّذي اختار العذراء كحامية ومحامية عائلته، مكانها البارز في

مخطّط الله الخلاصي.هي باستطاعتي تذكير كيف يرى فرنسيس مريم في مخطّط الله ؟

٣) قال فرنسي يوماً لبيار دو كاتان بالذّهاب وتجريد مذبح القدّيسة العذراء لتأمين حاجات الإخوة الماديّة القادمين إلى البورنتينكول. ما هي الأسباب الّتي استند إليها لتبرير هذا العمل ؟

أسئلة تعمّق

١) مريم العذراء هي حقّاً الّتي حملت في أحشائها المسيح. يمثّل تابوت العهد القديم، الّذي بإمكانه عندها عقد عهد نهائيّ بين الله والبشر، مريم، تابوت العهد الجديد البتولي، أكثر قيمة من الّذي تضمّن المنّ ووصايا القانون. بدأ هذا الفصل عن مريم العذراء بنشيد رائع من طوبيا (طو١٣ ١١-١٤) الّذي يبدو أنّه يتوجّه لمدينة أورشليم.
هل بإمكاني إعادة قراءة هذا النّشيد مظهراً بماذا تخصّ نبؤة طوبيا، في كلّ سطر، العذراء مريم ؟

٢) تدعو قاعدتنا العلمانيّين الفرنسيّين للشّهادة لمريم بحبّ عميق متشبّهين بحضورها الكامل. في وضعي البشري، كيف بإمكاني التّشبيه بمريم العذراء، أمة الله المتواضعة، هي الّتي كانت دائماً حاضرة لكلمة الله ونداءاته ؟

٣) تدعو قاعدتنا العلمانيّين الفرنسيّين للشهّادة لمريم حبّاً عميقاً من خلال صلاة واثقة ومتيقّظة. هل أعلم كيف أخذ الوقت لأكون مع الله بواسطة مريم ؟ إذا كان الجواب لا، ما هي التّجهيزات الجيّدة الّتي استطيع أخذها إبتداءً من اليوم للصّلاة، بثقة وانتباه، لمريم الكليّة الطوبّى الدّائمة البتوليّة ؟

Lys pureté
أعلى الصفحة

منفذاً من www.pbdi.fr رسم من Laurent Bidot ترجمة : Myrna Lebertre